تعالى، ويأمرهم بالمعروف، وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والفواحش التي اخترعوها، ولم يسبقهم بها أحد من العالمين، من بني آدم، ولا غيرهم، وهو إتيان الذكور.
قال ابن كثير: وهذا شيء لم يكن بنو آدم تعهده ولا تألفه، ولا يخطر ببالهم، حتى صنعه أهل سدوم، عليهم لعائن الله.
قال عمرو بن دينار: ما زنا ذكر على ذكر، حتى كان قوم لوط. وقال الوليد بن عبد الملك الخليفة الأمويّ، باني جامع دمشق: لولا أن الله عز وجل قصّ علينا خبر قوم لوط، ما ظننت أن ذكرا يعلو ذكرا.
ثم بيّن تعالى إنكار لوط عليهم بقوله سبحانه: إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ أي الفعلة المتناهية في القبح. وقوله تعالى: ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ أي ما عملها أحد قبلكم، والباء للتعدية، من قولك (سبقته بالكرة) إذا ضربتها قبله، ومنه
قوله صلّى الله عليه وسلّم «١» : (سبقك بها عكّاشة) . كذا في (الكشاف) .
قال أبو السعود: والجملة مستأنفة مسوقة لتأكيد النكير، وتشديد التوبيخ والتقريع. فإن مباشرة القبح قبيح، واختراعه أقبح، فأنكر تعالى عليهم أولا إتيان الفاحشة، ثم وبخهم بأنهم أول من عملها، ثم استأنف بيان تلك الفاحشة تأكيدا للإنكار السابق وتشديدا للتوبيخ بقوله سبحانه:
إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ أي: الذين خلقهم الله ليأتوا النساء، لا ليأتيهم الرجال. وقرئ بهمزتين صريحتين، وبتليين الثانية، بغير مدّ وبمد أيضا. وفي زيادة (إن) و (اللام) مزيد توبيخ وتقريع، كأن ذلك أمر لا يتحقق صدوره عن أحد. وفي إيراد لفظ (الرجال) دون الغلمان والمردان ونحوهما، مبالغة في التوبيخ وتأتون، من (أتى المرأة) إذا غشيها. قاله الزمخشري.
وفي (تاج العروس) : أتى الفاحشة: تلبّس بها، ويكنى بالإتيان عن الوطء وهو من أحسن الكنايات، ورجل مأتي أتي فيه، ومنه قول بعض المولدين:
(١) أخرجه البخاري في: الرقاق، ٥٠- باب يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب، حديث ١٦٠٥.