قال الرازي: فإن قيل: إذا جاز إعتاق العبيد والإماء، فلم لا يجوز إعتاق هذه البهائم من الذبح والإتعاب والإيلام؟ قلنا: الإنسان مخلوق لخدمة الله تعالى وعبوديته. فإذا أزيل الرق عنه تفرغ لعبادته تعالى، فكان ذلك قربة مستحسنة. وأما هذه الحيوانات فإنها مخلوقة لمنافع الناس. فإهمالها يقتضي فوات منفعة على مالكها وعلى غيره. أي وهو خلاف الحكمة التي خلقت هي لأجلها. على أن الرقيق إذا أعتق قدر على تحصيل مصالح نفسه، بخلاف البهيمة. ففي تسيبها إيقاع لها في أنواع من المحنة والمشقة.
قال المهايمي: قاسوه (يعني التبحير) على عتق الإنسان مع ظهور الفرق. لما في عتق الإنسان من تمليك التصرفات، ولا تصرف للحيوانات العجم.
ثم قال: الأول كالعتق بلا نذر. والثاني كالعتق بالنذر. والثالث مشبه بما يشبه العتق. والرابع ملك النفس بلا تمليك. ولا معنى للتمليك في الحيوانات العجم، فهذه الأمور غير معقولة ظاهرا وباطنا، فلا يفعلها الحكيم.
[تنبيه:]
قال السيوطي في (الإكليل) : في الآية تحريم هذه الأمور. واستنبط منه تحريم جميع تعطيل المنافع. ومن صور السائبة: إرسال الطائر ونحوه. واستدل ابن الماجشون بالآية على منع أن يقول لعبده: أنت سائبة. وقال: لا يعتق. انتهى.
وقال بعض مفسري الزيدية: قال الحاكم: استدل بعضهم على بطلان الوقف بالآية الكريمة. لأن الملك لا يخرج عن ملك صاحبه إلا إلى مالك آخر. أو على وجه القربة إلى الله. كتحرير الرقاب.
قال الحاكم: وليس بصحيح. لأن الوقف قربة كالعتق. ولقائل أن يقول:
يستدل بالآية على نظير ذلك. وهو ما يلقى في الأنهار والطريق وقرب الأشجار، من طرح البيض والفراريج ونحو ذلك. فلا يجوز فعله، ولا يزول ملك المالك. ويحتمل أن يقال: قد رغب عنه وصيره مباحا. وأما كسر البيض على العمارة والطريق والأبواب، فالظاهر عدم الجواز. لأن في ذلك إضاعة مال، ولم يرد بفعله دليل. انتهى.
ولما بيّن تعالى أن أكثرهم لا يعقلون أن تحريم هذه الأشياء افتراء باطل حتى يخالفوهم ويهتدوا إلى الحق، وإنما يقلدون قدماءهم- أشار إلى عنادهم واستعصائهم حينما هدوا إلى الحق، وإلى ضلالهم ببقائهم في أسر التقليد، بقوله سبحانه: