عن ابن عباس قال: كان هذا الحيّ من الأنصار (وهم أهل وثن) مع هذا الحيّ من يهود (وهم أهل كتاب) كانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم. وكان من أمر أهل الكتاب أنّهم لا يأتون النساء إلّا على حرف، وذلك أستر ما تكون المرأة. فكان هذا الحيّ من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم.
وكان هذا الحيّ من قريش يشرحون النساء شرحا منكرا ويتلذذون منهنّ مقبلات ومدبرات ومستلقيات. فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار. فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت: إنما كنا نؤتى على حرف.
فاصنع ذلك، وإلّا فاجتنبني، حتى سرى أمرهما. فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فأنزل الله عزّ وجلّ نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ
، أي: مقبلات ومدبرات ومستلقيات، يعني بذلك موضع الولد.
[تنبيه:]
ما ذكرناه من الروايات هو المعوّل عليه عند المحققين.
وثمة روايات أخر تدلّ على أنّ هذه الآية إنّما أنزلت رخصة في إتيان النساء في أدبارهنّ.
قال الطحاويّ: روى أصبغ بن الفرج عن عبد الرحمن بن القاسم قال: ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني يشك أنه حلال (يعني وطء المرأة في دبرها) ثم قرأ: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ، ثم قال: فأي شيء أبين من هذا؟ هذه حكاية الطحاويّ نقلها ابن كثير.
وقال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الرافعيّ: قال ابن القاسم: ولم أدرك أحدا أقتدي به في ديني يشك فيه. والمدنيّون يروون فيه الرخصة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
يشير بذلك إلى ما روي عن ابن عمر وأبي سعيد.
أما حديث ابن عمر فله طرق. رواه عنه نافع، وعبيد الله بن عبد الله بن عمر، وزيد بن أسلم. وسعيد بن يسار. وغيرهم.
أمّا نافع فاشتهر عنه من طرق كثيرة جدّا. منها رواية مالك، وأيوب، وعبيد الله ابن عمر العمريّ، وابن أبي ذئب، وعبد الله بن عون، وهشام بن سعد، وعمر بن محمد بن زيد، وعبد الله بن نافع، وأبان بن صالح، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة.