وعن محمد بن عليّ: كانوا لا ينامون حتى يصلّوا العتمة.
وعن مطرّف: قلّ ليلة أتت عليهم، إلا صلوا فيها من أولها أو من وسطها.
وعن الحسن قال: لا ينامون من الليل إلا أقله، كابدوا قيام الليل.
وقرأ الأحنف بن قيس هذه الآية فقال: لست من أهل هذه الآية.
وعن الضحاك: أن الوقف على قوله تعالى كانُوا قَلِيلًا أي أن المحسنين كانوا قليلا ثم ابتدئ فقيل مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ و (ما) نافية. أي لا يهجعون.
قال ابن كثير: هذا القول فيه بعد وتعسف.
[لطيفة:]
في هذه الجملة الكريمة مبالغات في وصف هؤلاء بقلة النوم، وترك الاستراحة.
وذلك ذكر القليل. والليل الذي هو وقت النوم، والهجوع الذي هو الخفيف من النوم، وزيادة (ما) لأنها تدل على القلة. وبالجملة. ففي الآية استحباب قيام الليل، وذم نومه كله. والأحاديث على ذلك كثيرة شهيرة وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال القاضي: أي أنهم مع قلة هجوعهم، وكثرة تهجدهم، إذا أسحروا أخذوا في الاستغفار، كأنهم أسلفوا في ليلهم الجرائم.
قال الرازيّ: في الآية إشارة إلى أنهم كانوا يتهجّدون ويجتهدون، ثم يريدون أن يكون عملهم أكثر من ذلك، وأخلص منه، فيستغفرون من التقصير. وهذا سيرة الكريم: يأتي بأبلغ وجوه الكرم ويستقله، ويعتذر من التقصير. واللئيم يأتي بالقليل ويستكثره، ويمنّ به. وفيه وجه آخر ألطف منه: وهو أنه تعالى، لما بين أنهم يهجعون قليلا، والهجوع مقتضى الطبع، قال يَسْتَغْفِرُونَ أي من ذلك القدر من النوم القليل. وفيه لطيفة أخرى نبيّنها في جواب سؤال: وهو أنه تعالى مدحهم بقلة الهجوع،. ولم يمدحهم بكثرة السهر، وما قال: كانوا كثيرا من الليل ما يسهرون، فما الحكمة فيه؟ مع أن السهر هو الكلفة والاجتهاد، لا الهجوع؟ نقول: إشارة إلى أن نومهم عبادة، حيث مدحهم الله تعالى بكونهم هاجعين قليلا، وذلك الهجوع أورثهم الاشتغال بعبادة أخرى، وهو الاستغفار، في وجوه الأسحار ومنعهم من الإعجاب بأنفسهم والاستكبار.
ثم قال: والاستغفار يحتمل طلب المغفرة بالذكر بقولهم: ربنا اغفر لنا.
وطلب المغفرة بالفعل، أي بالأسحار. يأتون بفعل آخر طلبا للغفران، وهو الصلاة.