للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (٢) : آية ١٨]]

صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (١٨)

صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ الصمم: آفة مانعة من السماع، سمّى به فقدان حاسّة السمع، لما أنّ سببه اكتناز باطن الصّماخ، وانسداد منافذه، بحيث لا يكاد يدخله هواء يحصل الصوت بتموّجه. والبكم: الخرس. والعمى: عدم البصر عمّا من شأنه أن يبصر.

وصفوا بذلك- مع سلامة حواسّهم المذكورة- لما أنّهم سدّوا عن الإصاخة إلى الحقّ مسامعهم، وأبوا أن ينطقوا به ألسنتهم، وأن ينظروا ويتبصّروا بعيونهم، فجعلوا كأنما أصيب بآفة مشاعرهم- كقوله-:

صمّ إذا سمعوا خيرا ذكرت به ... وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا

وكقوله:

أصمّ عن الشيء الذي لا أريده ... وأسمع خلق الله حين أريد

فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ أي- بسبب اتصافهم بالصفات المذكورة- لا يعودون إلى الهدى- بعد أن باعوه. أو عن الضلالة- بعد أن اشتروها. فالآية الكريمة تتمّة للتمثيل بأنّ ما أصابهم، ليس مجرّد انطفاء نارهم، وبقائهم في ظلمات كثيفة هائلة- مع بقاء حاسة البصر بحالها- بل اختلّت مشاعرهم جميعا، واتصفوا بتلك الصفات فبقوا جامدين في مكانهم لا يرجعون، ولا يدرون أيتقدّمون أم يتأخّرون؟ وكيف يرجعون إلى ما ابتدءوا منه.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (٢) : آية ١٩]]

أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (١٩)

أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ تمثيل لحالهم إثر تمثيل، ليعمّ البيان منها كلّ دقيق وجليل، ويوفي حقّها من التفظيع والتهويل. فإنه تفنّنهم في فنون الكفر والضلال حقيق بأن يضرب في شأنه الأمثال. وكما يجب على البليغ- في مظانّ الإجمال والإيجاز- أن يجمل ويوجز، فكذلك الواجب عليه- في موارد التفصيل والإشباع- أن يفصّل ويشبع.

<<  <  ج: ص:  >  >>