إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ أي مددنا لهم في غيّهم، فهم يتيهون في ضلالهم. وكان هذا جزاء على ما كذّبوه به من الدار الآخرة والجزاء على الأعمال كما قال تعالى: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الأنعام: ١١٠] ، أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ أي أشد الناس خسرانا للنجاة وثواب الله. وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ أي لتؤتاه وتلقنه من عند حكيم في أمره ونهيه، عليم بالأمور جليّها وخفيها. فخبره هو الصدق المحض والحكمة البالغة، كما قال: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا [الأنعام: ١١٥] ، والجملة مستأنفة، سقيت بعد بيان بعض شؤون القرآن الكريم، تمهيدا لما يعقبه من الأنباء الجليلة. وقد بدأ منها بما كان من أمر موسى عليه السلام واصطفائه وإيتائه من الآيات الباهرة ما أذلّ معانديه، وجعلهم مثل السوء. فقال سبحانه إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ أي حين قفل من مدين إلى مصر، وأضلّ الطريق إِنِّي آنَسْتُ ناراً أي رأيتها سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أي عن الطريق أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ أي بشعلة مقتبسة لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ أي تتدفئون به فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها أي بورك من في مكان النار ومن حول مكانها. ومكانها البقعة التي حصلت فيها. وتدل عليه قراءة أبيّ (تباركت الأرض ومن حولها) وعنه: بوركت النار. والذي بوركت له البقعة، وبورك من فيها وحواليها، حدوث أمر دينيّ فيها، وهو تكليم الله موسى، واستنباؤه له، وإظهار المعجزات عليه. ورب خير يتجدد في بعض البقاع، فينشر الله بركة ذلك الخير في أقاصيها