للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الجشمي: واختلفوا، فقيل: لا يجوز أن يبعث إلا ومعه شرع- عن أبي هاشم-. وقيل: يجوز أن يدعو إلى ما في العقل- عن أبي علي- انتهى.

وقد دلت الآيات هذه على أن شعيبا، عليه السلام، دعاهم إلى التوحيد والشرائع، على ما جرت به عادة الرسل، فمنها قوله: فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ أي فأتّموهما للناس بإعطائهم حقوقهم وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ أي: لا تنقصوهم حقوقهم فلا تخونوا الناس في أموالهم، وتأخذوها على وجه البخس، وهو نقص المكيال والميزان خفية وتدليسا كما قال تعالى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ... إلى قوله:

لِرَبِّ الْعالَمِينَ [المطففين: ١- ٦] .

يقال: بخسه حقه أي نقصه إياه، وظلمه فيه.

قال الزمخشري: كانوا يبخسون الناس كل شيء في مبايعاتهم، أو كانوا مكاسين لا يدعون شيئا إلا مكسوة. قال زهير:

أفي كلّ أسواق العراق إتاوة ... وفي كلّ ما باع امرؤ مكس درهم

قال القاضي: وإنما قال أَشْياءَهُمْ للتعميم، تنبيها على أنهم كانوا يبخسون الجليل والحقير والقليل والكثير- انتهى-.

والنهي عن النقص يوجب الأمر بالإيفاء. فقيل في فائدة التصريح بالمنهي عنه، بيان لقبحه.

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله تعالى: وَلا تَبْخَسُوا ... الآية- قال: أي لا تسمّوا لهم شيئا، وتعطوا لهم غير ذلك. ودلت الآية على أن إيفاء الكيل والميزان واجب على حسب ما يعتاد في صفة الكيل والوزن وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ أي: بالكفر والظلم: بَعْدَ إِصْلاحِها أي: بعد ما أصلح أمرها وأهلها الأنبياء وأتباعهم الصالحون العاملون بشرائعهم من وضع الكيل والوزن والحدود والأحكام ذلِكُمْ إشارة إلى العمل بما أمروا به ونهوا عنه خَيْرٌ لَكُمْ في الحال لتوجه الناس إليكم بسبب حسن الأحدوثة، وفي المآل إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أي: مصدقين قولي.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأعراف (٧) : آية ٨٦]]

وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (٨٦)

وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ نهي عن قطع الطريق الحسي. أي: لا

<<  <  ج: ص:  >  >>