وهذا يدل على ما تقدم محاولة لها. وقال الحسن: هي فارس والروم.
قال القرطبيّ: وكونها معجلة، وإن كانت لم تحصل إلا في عهد عمر، بالنسبة لما بعدها من الغنائم الإسلامية.
وعن قتادة: هي مكة. قال ابن جرير: وهذا القول الذي قاله قتادة، أشبه بما دلّ عليه ظاهر التنزيل. وذلك أن الله أخبر هؤلاء الذين بايعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تحت الشجرة أنه محيط بقرية لم يقدروا عليها. ومعقول أنه لا يقال لقوم، لم يقدروا على هذه المدينة، إلا أن يكونوا قد راموها فتعذرت عليهم. فأما وهم لم يروموها فتتعذر عليهم، فلا يقال إنهم لم يقدروا عليها. فإذا كان ذلك كذلك، وكان معلوما أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يقصد قبل نزول هذه الآية عليه، خيبر لحرب، ولا وجّه إليها لقتال أهلها جيشا ولا سرية، علم أن المعنى بقوله وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها غيرها، وأنها هي التي عالجها ورامها فتعذرت، فكانت مكة وأهلها كذلك. وأخبر الله تعالى نبيّه والمؤمنين، أنه أحاط بها وبأهلها. وأنه فاتحها عليهم. انتهى.
وقال القرطبي: معنى قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها أي أعدها لكم، فهي كالشيء الذي أحيط به من جميع جوانبه، فهو محصور لا يفوت. فأنتم، وإن لم تقدروا عليها في الحال، فهي محبوسة عليكم لا تفوتكم. وقيل: أَحاطَ اللَّهُ بِها علم أنها ستكون لكم، كما قال وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً. وقيل: حفظها الله عليكم، ليكون فتحها لكم. انتهى.
وقد جوّز في أُخْرى أن تكون معطوفة على مَغانِمَ المنصوب ب وَعَدَكُمُ وأن تكون مرفوعة بالابتداء ولَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها صفتها وقَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها خبر. وأوجه أخر.
وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً أي: لا يبعد عليه إذا شاءه.
ثم أشار تعالى إلى تبشير أهل بيعة الرضوان بالظفر والنصر المستمر، لصدق إيمانهم إخلاصهم في ثباتهم، وإيثارهم مرضاة الله ورسوله على كل محبوب، بقوله:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الفتح (٤٨) : الآيات ٢٢ الى ٢٣]