للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومضارعا بمعنى تتوفاهم. بمعنى أن الله يوفي الملائكة أنفسهم فيتوفونها. أي:

يمكنهم من استيفائها فيستوفونها. كذا في (الكشاف) . و (الظلم) قد يراد به الكفر كقوله تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان: ١٣] . وقد يراد به المعصية كقوله: فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ [فاطر: ٣٢] . ويصح إرادة المعنيين هنا كما أشرنا.

روى أبو داود «١» عن سمرة بن جندب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله

. قالُوا أي: الملائكة للمتوفين، تقريرا لهم بتقصيرهم وتوبيخا لهم فِيمَ كُنْتُمْ أي: في أي شيء كنتم من أمور دينكم قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ أي: أرض الأعداء. قال الزمخشريّ: كيف صح وقوع قوله كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ جوابا عن قولهم فِيمَ كُنْتُمْ وكان حق الجواب: كنا في كذا أو لم نكن في شيء؟ قلت معنى فِيمَ كُنْتُمْ التوبيخ بأنهم لم يكونوا في شيء من الدين حيث قدروا على المهاجرة ولم يهاجروا. فقالوا: كنا مستضعفين اعتذارا مما وبخوا به، واعتلالا بالاستضعاف، وأنهم لم يتمكنوا من الهجرة حتى يكونوا في شيء. فبكتتهم الملائكة بقولهم أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها أرادوا: إنكم كنتم قادرين على الخروج من مكة إلى بعض البلاد التي لا تمنعون فيها من إظهار دينكم، ومن الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما فعل المهاجرون إلى أرض الحبشة. وهذا دليل على أن الرجل إذا كان في بلد لا يتمكن فيه من إقامة أمر دينه كما يجب لبعض الأسباب، والعوائق عن إقامة الدين لا تنحصر، أو علم أنه في غير بلده أقوم بحق الله وأدوم على العبادة- حقت عليه المهاجرة. انتهى.

فَأُولئِكَ أي: النفر المذكور مَأْواهُمْ أي: مصيرهم جَهَنَّمُ لأنهم الذين ضعّفوا أنفسهم إذ لم يلجئهم الأعداء إلى مساكنة ديارهم وَساءَتْ مَصِيراً أي:

جهنم. بدل المصير إلى دار الهجرة. ثم استثنى سبحانه من أهل الوعيد ما بينه بقوله تعالى:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٩٨]]

إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (٩٨)

إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ لعمى أو عرج أو مرض أو هرم أو فقر


(١) أخرجه أبو داود في: الجهاد، ١٧٠- باب في الإقامة بأرض الشرك حديث ٢٧٨٧. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>