والتخصيص بالذكر هنا فيه تأكيد وَلا تَنازَعُوا أي باختلاف الآراء، أو فيما أمرتم به فَتَفْشَلُوا أي تجبنوا، إذ لا يتقوى بعضكم ببعض. وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ أي قوتكم وغلبتكم، ونصرتكم ودولتكم، شبه ما ذكر في نفوذ الأمر وتمشيته، بالريح وهبوبها، ويقال: هبت رياح فلان، إذا دالت له الدولة ونفذ أمره، قال:
إذا هبّت رياحك فاغتنمها ... فإن لكلّ خافقة سكون
ولا تغفل عن الإحسان فيها ... فما تدري السكون متى يكون
وَاصْبِرُوا أي على شدائد الحرب، وعلى مخالفة أهويتكم الداعية إلى التنازع، فالصبر مستلزم للنصر إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ أي بالنصر.
قال ابن كثير رحمه الله: وقد كان للصحابة رضي الله عنهم، في باب الشجاعة والائتمار بما أمرهم الله ورسوله، وامتثال ما أرشدهم إليه، ما لم يكن لأحد من الأمم، والقرون قبلهم ولا يكون لأحد من بعدهم. فإنهم ببركة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وطاعته فيما أمرهم، فتحوا القلوب والأقاليم شرقا وغربا، في المدة اليسيرة، مع قلة عددهم بالنسبة إلى جيوش سائر الأقاليم. من الروم والفرس والترك والصقالبة والبربر والحبوش وأصناف السودان والقبط وطوائف بني آدم. قهروا الجميع حتى علت كلمة الله وظهر دينه على سائر الأديان، وامتدت الممالك الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، في أقل من ثلاثين سنة، فرضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين.
[تنبيه:]
قال بعض المفسرين في قوله تعالى: وَلا تَنازَعُوا، أي لا تختلفوا فيما أمركم به من الجهاد، بل ليتفق رأيكم. قال: ولقائل أن يقول: استثمر من هذا وجوب نصب أمير على الجيش ليدبّر أمرهم. ويقطع اختلافهم، فإن بلزوم طاعته، ينقطع الاختلاف. وقد فعله صلّى الله عليه وسلّم في السرايا،
وقال «١» : اسمعوا وأطيعوا، وإن أمّر عليكم عبد حبشي.
انتهى.
ولما أمر تعالى المؤمنين بالثبات والصبر عند اللقاء، أمرهم بالإخلاص فيه، بنهيهم. عن التشبه بالمشركين، في انبعاثهم للرياء، بقوله سبحانه:
(١) أخرجه البخاري في: الأحكام، ٤- باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، الحديث رقم ٤٣٤ عن أنس. وفيه (استعمل) عوضا عن (أمّر) .