للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة يوسف (١٢) : آية ٣٢]]

قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ (٣٢)

قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ أي في الافتتان به وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ أي امتنع، طالبا للعصمة، مستزيدا منها.

قال الزمخشري: الاستعصام بناء مبالغة، يدل على الامتناع البليغ، والتحفظ الشديد، كأنه في عصمة، وهو يجتهد في الاستزادة منها. ونحوه: استمسك، واستوسع الفتق، واستجمع الرأي، واستفحل الخطب. وهذا بيان لما كان من يوسف عليه السلام، لا مزيد عليه، وبرهان لا شيء أنور منه، على أنه برىء مما أضاف إليه أهل الحشو، مما فسروا به الهمّ والبرهان. انتهى.

وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ أي ليعاقبنّ بالسجن والحبس وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ أي الأذلاء المهانين.

ولما سمع يوسف تهديدها:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة يوسف (١٢) : آية ٣٣]]

قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٣)

قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ أي من مواتاتها، لأنه مشقة قليلة، تعقبها راحات أبدية. ثم فزع إلى الله تعالى في طلب العصمة بقوله وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ يعني: ما أردن مني أَصْبُ إِلَيْهِنَّ أي أمل إلى إجابتهن بمقتضى البشرية وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ أي بسبب ارتكاب ما يدعونني إليه من القبيح.

قال أبو السعود: هذا فزع منه، عليه السلام، إلى ألطاف الله تعالى. جريا على سنن الأنبياء والصالحين، في قصر نيل الخيرات، والنجاة من الشرور، على جناب الله عزّ وجلّ، وسلب القوى والقدر عن أنفسهم، ومبالغة في استدعاء لطفه في صرف كيدهن بإظهار أن لا طاقة له بالمدافعة، كقول المستغيث: أدركني وإلا هلكت. لا أنه يطلب الإجبار والإلجاء إلى العصمة والعفة، وفي نفسه داعية تدعوه إلى هواهن.

انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>