فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ أي المعبودون، أيها الكفرة بِما تَقُولُونَ أي في قولكم إنهم آلهة. أو في قولكم هؤلاء أضلونا فَما تَسْتَطِيعُونَ أي ما تملكون صَرْفاً أي دفعا للعذاب عنكم بوجه ما وَلا نَصْراً أي لأنفسكم من البوار وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ أيها المكلفون، كدأب هؤلاء نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً. ثم أجاب عن شبههم السابقة، بقوله سبحانه:
وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ أي ليحتاجون إلى التغذي بالطعام ويتجولون في الأسواق للتكسب والتجارة. وليس ذلك بمناف لحالهم ومنصبهم. فإنه تعالى جعل لهم من السمات الحسنة، والصفات الجميلة، والأقوال الفاضلة، والأعمال الكاملة، والخوارق الباهرة، والأدلة القاهرة، ما يستدل به كل ذي لب سليم وبصيرة مستقيمة، على صدق ما جاءوا به من الله.
قال السيوطيّ في (الإكليل) : في الآية إباحة دخول الأسواق للعلماء وأهل الصلاح خلافا لمن كرهها لهم.
وقوله تعالى: وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ، وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً قال الزمخشريّ: هذا تصبير لرسول الله صلى الله عليه وسلم على ما قالوه واستبدعوه من أكله الطعام ومشيه في الأسواق. بعد ما احتج عليهم بسائر الرسل. يقول: وجرت عادتي وموجب حكمتي على ابتلاء بعضكم، أيها الناس، ببعض. والمعنى أنه ابتلى المرسلين