وقال الرازي: المراد من الاستفهام التأكيد. كمن ذكر حجة باهرة ثم قال: هل فيما ذكرته حجة؟ والمعنى أن من كان ذا لبّ علم أن ما أقسم الله تعالى به من هذه الأشياء فيه عجائب ودلائل على التوحيد والربوبية. فهو حقيق بأن يقسم به لدلالته على خالقه. أي على طريقة قوله تعالى: وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ [الواقعة:
٧٦] ، وإنما أوثرت هذه الطريقة هضما للخلق، وإيذانا بظهور الأمر. و (الحجر) العقل. لأنه يحجر صاحبه، أي يمنعه من ارتكاب ما لا ينبغي. والمقسم عليه محذوف. وهو (ليعذبن) كما ينبئ عنه قوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الفجر (٨٩) : الآيات ٦ الى ٨]
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ أي ألم تعلم علما يقينيّا كيف عذب ربك عادا، فيعذب هؤلاء أيضا، لاشتراكهم فيما يوجبه من جحود الحق والمعاصي. و (عاد) قبيلة من العرب البائدة. وتلقب بإرم أيضا. وهم الذين بعث الله فيهم رسوله هودا عليه السلام. فكذبوه فأهلكهم بريح صرصر عاتية. فقوله تعالى: إِرَمَ عطف بيان لعاد ذاتِ الْعِمادِ أي ذات الخيام المعمّدة لأنهم كانوا أهل عمد ينتجعون الغيوث وينتقلون إلى الكلأ حيث كان. ثم يرجعون إلى منازلهم في الأحقاف في حضرموت. وقيل: كني بالعماد عن العلوّ والشرف والقوة، إلا أن الأشبه- كما قال ابن جرير- بظاهر التنزيل هو الأول. وهو أنهم كانوا أهل عمد سيارة. لأن المعروف في كلام العرب من العماد، ما عمد به الخيام من الخشب والسواري التي يحمل عليها البناء. ثم قال: وتأويل القرآن إنما يوجه إلى الأغلب الأشهر من معانيه، ما وجد إلى ذلك سبيل، دون الأنكر. الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ أي في العظم والبطش والأيدي.
قال ابن كثير: كانوا أشد الناس في زمانهم خلقة وأقواهم بطشا. ولهذا ذكّرهم هود بتلك النعمة وأرشدهم إلى أن يستعملوها في طاعة ربهم الذي خلقهم. فقال: