اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ إما سائرا وواقفا، مطبقا وغير مطبق، من جانب دون جانب، إلى غير ذلك وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً أي قطعا تارة أخرى فَتَرَى الْوَدْقَ أي المطر يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ أي المطر مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ أي لآيسين. قال الزمخشريّ: من قبله، من باب التكرير والتوكيد، كقوله تعالى: فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها [الحشر: ١٧] ، ومعنى التوكيد فيه، الدلالة على أن عهدهم بالمطر قد تطاول وبعد، فاستحكم يأسهم وتمادى إبلاسهم. فكان الاستبشار على قدر اغتمامهم بذلك. انتهى.
وعكسه ابن عطية رحمه الله فقال: إنه يدل على سرعة تقلب القلوب البشرية من الإبلاس إلى الاستبشار.
قال الشهاب: وما ذكره ابن عطية أقرب. لأن المتبادر من القبيلة الاتصال.
وتأكيده دال على شدة اتصاله فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ أي أثر الغيث من النبات والأشجار والحبوب والثمار كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ أي العظيم الشأن الذي ذكر بعض شؤونه لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الروم (٣٠) : الآيات ٥١ الى ٥٣]
وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً على الزرع فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا أي من تأثيرها فيه لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ أي من بعد اصفراره يجحدون ما تقدم إليهم من النعم، أو يقنطون ولا يصبرون على بلائه. وفيه من ذمهم وعدم تدبرهم وسرعة تزلزلهم لعدم تفكرهم وسوء رأيهم- ما لا يخفى.
ثم أشار تعالى إلى أن من أنكر قدرته على إحياء الزرع بعد اصفراره، وقد رأى قدرته على إحياء الأرض بعد موتها، فهو ميت لا يمكن إسماعه خبر إحياء الموتى، بقوله سبحانه فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى أي لما أن هؤلاء مثلهم، لانسداد مشاعرهم عن الحق وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ قال أبو السعود: تقييد الحكم بما ذكر، لبيان كمال سوء حال الكفرة والتنبيه على أنهم جامعون لخصلتي السوء، نبوّ