للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشرك إنّه لا يَغْفِرُ والتائب من الشرك مغفور له. وعند ذلك أخذ الزمخشريّ يقطع أحدهما عن الآخر. فيجعل المراد مع الشرك عدم التوبة ومع الكبائر التوبة. حتى تنزل الآية على وفق معتقده فيحملها أمرين لا تحمل واحد منهما: أحدهما- إضافة التوبة إلى المشيئة وهي غير مذكورة ولا دليل عليها فيما ذكر. وأيضا لو كانت مرادة لكانت هي السبب الموجب للمغفرة على زعمهم عقلا. ولا يمكن تعلق المشيئة بخلافها على ظنهم في العقل. فكيف يليق السكوت عن ذكر ما هو العمدة والموجب، وذكر ما لا مدخل له على هذا المعتقد الرديء؟ الثاني- أنه بعد تقريره التوبة احتكم فقدرها على أحد القسمين دون الآخر. وما هذا إلا من جعل القرآن تبعا للرأي. نعوذ بالله من ذلك.

وأما القدرية فهم بهذا المعتقد يقع عليه بهم المثل السائر (السيد يعطي والعبد يمنع) . لأن الله تعالى يصرح كرمه بالمغفرة للمصرّ على الكبائر، إن شاء.

وهم يدفعون في وجه هذا التصريح ويحيلون المغفرة بناء على قاعدة الأصلح والصلاح، التي هي بالفساد أجدر وأحق. انتهى.

[فائدة:]

وردت أحاديث متعلقة بهذه الآية الكريمة:

الأول-

عن عائشة «١» قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدواوين عند الله عز وجل ثلاثة: ديوان لا يعبأ الله به شيئا. وديوان لا يترك الله منه شيئا. وديوان لا يغفره الله.

فأما الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك بالله. قال الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ الآية. وقال: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ [المائدة: ٧٢] . وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا، فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه من صوم يوم تركه، أو صلاة تركها. فإن الله عز وجل يغفر ذلك ويتجاوز، إن شاء. وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا، فظلم العباد بعضهم بعضا، القصاص لا محالة» . رواه الإمام أحمد. وقد تفرد به.

الثاني-

عن أنس بن مالك عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «الظلم ثلاثة فظلم لا يغفره الله. وظلم يغفره الله. وظلم لا يترك الله منه شيئا. فأما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك. وقال: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان: ١٣] . وأما الظلم الذي يغفره


(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند ٦/ ٢٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>