للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكونون سواء في حسبة أو عدد: هم سواء كطف الصاع. يعني بذلك كقرب الممتلئ منه ناقص عن الملء. وقد أمر تعالى بالوفاء في الكيل والميزان. فقال تعالى في عدة آيات: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ، ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [الإسراء: ٣٥] ، وقال تعالى: وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ [الرحمن: ٩] ، وقص تعالى علينا أنه أهلك قوم شعيب ودمرهم على ما كانوا يبخسون الناس في الميزان والمكيال. ثم قال سبحانه متوعدا لهم:

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المطففين (٨٣) : الآيات ٤ الى ٦]

أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (٤) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (٥) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٦)

أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ أي من قبورهم بعد مماتهم لِيَوْمٍ عَظِيمٍ أي عظيم الهول جليل الخطب كثير الفزع، من خسر فيه أدخل نارا حامية يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ أي لأمره وقضائه فيهم بما يستحقون، في موقف يغشى المجرم فيه من الهول، ما يود الافتداء بكل مستطاع. وفي تأثر الويل للمطففين بما ذكر في هاتين الآيتين. مبالغات في المنع عن التطفيف وتعظيم إثمه. ووجه ذلك، كما لخصه الشهاب، أن في ذكر الظن من التجهيل مع اسم الإشارة الدال على التبعيد، تحقيرا- ووصف يوم قيامهم بالعظمة- وإبدال يَوْمَ يَقُومُ منه، فإنه يدل على استعظام ما استحقروه. والحكمة اقتضت أن لا تهمل مثقال ذرة من خير وشر.

وعنوان (رب العالمين) للمالكية والتربية الدالة على أنه لا يفوته ظالم قويّ، ولا يترك حق مظلوم ضعيف- وفي تعظيم أمر التطفيف إيماء إلى العدل وميزانه، وأن من لا يهمل مثل هذا، كيف يهمل تعطيل قانون عدله في عباده؟ وناهيك بأنه وصفهم بصفات الكفرة. فتأمّل هذا المقام، ففيه ما تتحيّر فيه الأوهام.

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المطففين (٨٣) : الآيات ٧ الى ١١]

كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (٧) وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ (٨) كِتابٌ مَرْقُومٌ (٩) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٠) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (١١)

كَلَّا ردع عن التطفيف الذي يقترفونه لغفلتهم عن يوم الحساب وضعف اعتقادهم به إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ أي ما كتب فيه من عملهم السيء وأحصي عليهم.

وإيثار المظهر للإشعار بوصف لهم ثان، وهو الفجور، بخروجهم عن حد العدالة المتفق عليها الشرع والعقل لَفِي سِجِّينٍ وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ كِتابٌ مَرْقُومٌ أي مسطور

<<  <  ج: ص:  >  >>