من خذلهم، حتى يأتي أمر الله، وهم كذلك» وفي صحيح البخاري «وهم بالشام»
وقوله تعالى يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ هي إما الفرقان الذي أنزل على النبي صلّى الله عليه وسلّم، المتلوّ عليهم، وإما الأعلام الدالة على وجود الصانع وصفاته تعالى، ومعنى تلاوته إياها عليهم أنه كان يذكرهم بها، ويدعوهم إليها، ويحملهم على الإيمان بها. وقوله تعالى: وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ أي الكامل الشامل لكل كتاب وهو القرآن والْحِكْمَةَ هي السنة، فسرها بها كثيرون. وعن مالك: هي معرفة الدين، والفقه فيه، والاتباع له. وقوله تعالى: وَيُزَكِّيهِمْ أي يطهرهم من الشرك، وسائر الأرجاس، كقوله:
ولما ذكر عليه السلام هذه الدعوات، ختمها بالثناء على الله تعالى فقال إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، والعزيز ذو العزة وهي القوة، والشدة، والغلبة، والرفعة والْحَكِيمُ بمعنى الحاكم، أو بمعنى الذي يحكم الأشياء ويتقنها، وكلاهما من أوصافه تعالى.
قال الراغب: إن قيل ما وجه الترتيب في الآية؟ قيل: أما الآيات فهي الآيات الدالة على معجز النبي صلّى الله عليه وسلّم. وذكر التلاوة لما كان أعظم دلالة نبوته متعلقا بالقرآن.
وأما الترتيب، فلأن أول منزلة النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد ادعاء النبوة، الإتيان بالآيات الدالة على نبوته، ثم بعده تعليمهم الكتاب، أي تعريفهم حقائقه لا ألفاظه فقط، ثم بتعليمهم الكتاب يوصلهم إلى إفادة الحكمة، وهي أشرف منزلة العلم، ولهذا قال وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً [البقرة: ٢٦٩] ثم بالتدرج في الحكمة يصير الإنسان مزكى أي مطهّرا مستصلحا لمجاورة الله عز وجل. انتهى.
وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ هذا إنكار واستبعاد لأن يكون في العقلاء من يرغب عن الحق الواضح الذي هو ملة إبراهيم، وهو ما جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم، وفي ذلك تعريض بمعاندي أهل الكتاب والمشركين، أي لا يرغب عن ملته الواضحة الغرّاء إلا من سفه نفسه، أي حملها على السفه وهو الجهل.
قال الراغب: وسفه نفسه أبلغ من جهلها، وذاك أن الجهل ضربان: جهل