كالمغلولين المقمحين، في أنهم لا يلتفتون إلى الحق ولا يعطفون أعناقهم نحوه، ولا يطأطئون رؤوسهم له. وكالحاصلين بين سدّين. لا يبصرون ما قدامهم ولا ما خلفهم، في أن لا تأمل لهم ولا تبصر. وأنهم متعامون عن النظر في آيات الله.
انتهى. أي فالمجموع استعارة تمثيلية. وفي (الانتصاف) للناصر: إذا فرقت هذا التشبيه، كان تصميمهم على الكفر مشبها بالأغلال. وكان استكبارهم عن قبول الحق وعن الخضوع والتواضع لاستماعه، مشبها بالإقماح. لأن المقمح لا يطأطئ رأسه. وقوله فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ تتمة للزوم الإقماح لهم. وكان عدم الفكر في القرون الخالية مشبها بسدّ من خلفهم، وعدم النظر في العواقب المستقبلة مشبها بسد من قدامهم انتهى. فيكون فيه تشبيه متعدد. قال الشهاب: والتمثيل أحسن منه. انتهى.
ثم قال الناصر: يحتمل أن تكون الفاء في (فهم مقمحون) للتعقيب، كالفاء الأولى، أو للتسبّب، ولا شك أن ضغط اليد مع العنق في الغلّ يوجب الإقماح. فإن اليد، والعياذ بالله، تبقى ممسكة بالغل تحت الذقن، دافعة بها ومانعة من وطأتها.
ويكون التشبيه أتم على هذا التفسير، فإن اليد متى كانت مرسلة مخلاة، كان للمغلول بعض الفرج بإطلاقها. ولعله يتحيّل بها على فكاك الغلّ، ولا كذلك إذا كانت مغلولة. فيضاف إلى ما ذكرناه من التشبيهات المفرقة. أن يكون انسداد باب الحيل عليهم في الهداية والانخلاع من ربقة الكفر المقدر عليهم، مشبها بغلّ الأيدي. فإن اليد آلة الحيلة إلى الخلاص. انتهى.
وإنما اختير هذا، لأن ما قبله وما بعده في ذكر أحوالهم في الدنيا، وجعله أبو حيان لبيان أحوالهم في الآخرة، على أنه حقيقة لا تمثيل فيه. فورد عليه أن يكون أجنبيا في البين. وتوجيهه بأنه كالبيان لقوله: حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ [يس:
وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠)
وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أي خوفتهم بالقرآن أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ أي لا يريدون أن يؤمنوا. ولما صدقت الآية على مثل أبي جهل وأصحابه من كفرة قريش، الذين هلكوا في بدر، وكانوا طواغيت الكفر، أشار بعضهم إلى أن الآية نزلت في ذلك.