كذبهم فيهم أنهم شفعاء، وحرمانهم من مقامها، بأجلى بيان وأفصح مقال.
وفي الآية تأويل آخر، وهو أن معنى قوله تعالى: حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ أي عن قلوب المشركين عند الاحتضار، ويوم القيامة إذا تنبهوا مما كانوا فيه من الغفلة في الدنيا، ورجعت إليهم عقولهم يوم القيامة، قالوا ماذا قال ربكم؟ فقيل لهم الحق وأخبروا به مما كانوا عنه لاهين في الدنيا. قال مجاهد: حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ أي كشف عنها الغطاء يوم القيامة. وقال الحسن: أي كشف عما فيها من الشك والتكذيب. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هذا عند الموت، أقرّوا حين لا ينفعهم الإقرار. واختار ابن جرير القول الأول، وهو أن الضمير عائد إلى الملائكة.
قال ابن كثير: وهذا هو الحق الذي لا مرية فيه. لصحة الأحاديث فيه والآثار، أي ولورود ما يؤيده في آية أخرى، والقرآن يفسر بعضه بعضا وذلك في قوله تعالى:
وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ [الأنبياء: ٢٨] ، نعم، النظم الكريم لا يأبى ما ذكروه، إلا أن مراعاة الأشباه والنظائر هو العمدة في باب فهم التأويل، ما وجد إليها سبيل.
قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أمر بتبكيت المشركين بحملهم على الإقرار بأن آلهتهم لا يملكون مثقال ذرة فيهما. وقوله: قُلِ اللَّهُ أي الذي تعترفون بأنه هو الخالق. كما قال تعالى: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ [يونس: ٣١] . أي فحينئذ قامت الحجة عليهم منهم.
وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ أي وإن أحد الفريقين من الموحدين، الرازق من السموات والأرض بالعبادة، ومن الذين يشركون به الجماد الذي لا يوصف بالقدرة على ذرة، لعلى أحد الأمرين من الهدى أو الضلال.
قال الزمخشري: وهذا من الكلام المنصف الذي كل من سمعه من موال أو مناف قال لمن خوطب به: قد أنصفك صاحبك. وفي درجه بعد تقدمة ما قدم من