وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧١)
وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ أي رفعناه كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ أي سحابة وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ أي ساقط عليهم، لأن الجبل لا يثبت في الجوّ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ أي وقلنا، أو قائلين: خذوا ما آتيناكم من أحكام التوراة بِقُوَّةٍ أي عزيمة وجد وَاذْكُرُوا ما فِيهِ أي بالعمل ولا تتركوه كالمنسي لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أي مساوئ الأعمال، أو راجين أن تنظموا في سلك المتقين. وهذه الآية كقوله تعالى وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ [النساء: ١٥٤] .
وقد روي عن ابن عباس وغيره من السلف: أنهم راجعوا موسى في فرائض التوراة وشرائعها، حتى رفع الله الجبل فوق رؤوسهم، فقال لهم موسى:(ألا ترون ما يقول ربي عز وجل؟ لئن لم تقبلوا التوراة بما فيها، لأرمينكم بهذا! فخرّوا سجّدا، فرقا من أن يسقط عليهم) - رواه النسائي وسنيد-.
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ أي أخرج من أصلابهم نسلهم على ما يتوالدون قرنا بعد قرن، من أنهم كانوا نطفة قذفت إلى رحم الأمهات، ثم جعلت علقة، ثم مضغة، ثم أنشأهم بشرا سويا حيّا مكلفا، فجعل خلقه إياهم كذلك، إخراجا من أصلابهم، لأن أصلهم خرج منها، ومِنْ ظُهُورِهِمْ بدل من بَنِي آدَمَ بدل البعض. وقرئ (ذرياتهم) وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أي أشهد كل واحدة من أولئك الذريات المأخوذين من ظهور آبائهم على نفسها، تقريرا لهم بربوبيته التامة.
قال الجشمي: أي أشهدهم على أنفسهم بما ركب فيهم من دلائل وحدانيته، وعجائب خلقته، وغرائب صنعته، من أعضاء سوية، وحواس مدركة، وجوارح ظاهرة، وأعصاب وعروق وغير ذلك، مما يعلمه من تفكر فيه، وكلها تدل عليه وعلى صفاته ووحدانيته، فبالإشهاد بالأدلة، صار كأنه أشهدهم بقوله.