ولا يخفى أن الأصل في إطلاق النظر هو الرؤية والإبصار، ولذلك تتعاقب في هذا المعنى، وتترادف كثيرا، وانفكاكه عن الرؤية في هذه الآية لقرينة كون المحدّث عنهم جمادا، ولا قرينة في الآية لتقاس على ما هنا. دع ما صح من الأخبار في وقوعها، مما هو بيان لها- فافهم-.
ثم أمر تعالى نبيه صلّى الله عليه وسلّم بالصفح عن المشركين، إذا جادلوه في شركائهم بعد هذا البيان، بقوله سبحانه:
خُذِ الْعَفْوَ أي مكان الغضب، ليكونوا أقبل للنصيحة وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ أي بالجميل المستحسن من الأفعال، فإنها قريبة من قبول الناس من غير نكير، ولما كان الناصح لغيره، كالمعرّض لعدوانهم، ثلّث بما يحتاج إليه في ذلك فقال: وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ أي المصرّين على جهلهم، فلا تكافئ السفهاء بمثل سفههم، ولا تمارهم، واحلم عنهم، وأغض على ما يسوؤك منهم.
[تنبيهان:]
الأول- قال بعض العلماء: إن سر الشريعة في الطباع والعادات، هو تأييد المستحسن ومحو المستقبح. وإليه الإشارة بقوله تعالى: وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ فإن المعروف ما عرفته الطباع السليمة واستحسنته، والمنكر ما أنكرته واستقبحته. ذلك لأن غاية الشريعة راحة الخلق على حال ونظام معقولين، فلا يصح الحكم بتوحيد العادات في كل البلاد.
الثاني:
روي عن الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه قال: أمر الله نبيه صلّى الله عليه وسلّم بمكارم الأخلاق، وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها.
وروى البخاري «١» عن ابن عباس أن عيينة بن حصين قال لعمر بن الخطاب:
هي يا ابن الخطاب! فو الله، ما تعطينا الجزل، ولا تحكم فينا بالعدل، فغضب عمر، حتى همّ أن يوقع به. فقال له الحرّ بن قيس: يا أمير المؤمنين! إن الله تعالى قال لنبيه
(١) أخرجه البخاري في: التفسير، ٧- سورة الأعراف، ٥- باب خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ، حديث ٢٠٠٤.