للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الزمخشريّ: ويجوز أن يراد بالرجال والنساء، الأحرار والحرائر. وبالولدان، العبيد والإماء. لأن العبد والأمة يقال لهما: الوليد والوليدة. وقيل (للولدان والولائد) : الولدان. لتغليب الذكور على الإناث. كما يقال: الآباء والإخوة. وتدل الآية على أن للداعي حقّا عند الله. لأنه جعل ذلك اختصاصا لنصرته. وتدل على لزوم الهجرة من ديار الكفر. وأن المؤمن لا يذل نفسه بجعله مستضعفا. لأنه تعالى أوجب المقاتلة لزوال الغلبة عليهم. وفي الآيات هذه تأكيدات متتابعة على لزوم الجهاد.

[لطيفة:]

قال ناصر الدين في (الانتصاف) : وقفت على نكتة في هذه الآية حسنة. وهي أن كل قرية ذكرت في الكتاب العزيز، فالظلم ينسب إليها بطريق المجاز. كقوله:

وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً- إلى قوله- فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ [النحل: ١١٢] . وقوله: وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها [القصص: ٥٨] .

وأما هذه القرية (في سورة النساء) فينسب الظلم إلى أهلها على الحقيقة. لأن المراد بها مكة. فوقرت عن نسبة الظلم إليها، تشريفا لها، شرّفها الله تعالى. ثم شجع تعالى المؤمنين ورغّبهم في الجهاد بقوله:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٧٦]]

الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (٧٦)

الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يعني في طاعته لإعلاء كلمته. فهو وليّهم وناصرهم وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ في طاعة الشيطان الآمر بغاية الطغيان. كإيذاء المستضعفين من المؤمنين وقتال أقويائهم فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ أي: جنده. قال أبو السعود: وذكرهم بهذا العنوان للدلالة على أن ذلك نتيجة لقتالهم في سبيل الشيطان، والإشعار بأن المؤمنين أولياء الله تعالى لما أن قتالهم في سبيله. وكل ذلك لتأكيد رغبة المؤمنين في القتال وتقوية عزائمهم عليه. فإن ولاية الله تعالى علم في العزة والقوة. كما أن ولاية الشيطان مثل في الذلة والضعف. كأنه قيل: إذا كان الأمر كذلك، فقاتلوا، يا أولياء الله! أولياء الشيطان. ثم صرح في التعليل فقيل إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً أي: في حد ذاته. فكيف بالقياس إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>