فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ أي من البر والصلة. واستدل به أبو حنيفة رحمه الله على وجوب النفقة للمحارم إذا كانوا محتاجين عاجزين عن الكسب. لأن (آت) أمر للوجوب. والظاهر من (الحق) بقرينة ما قبله أنه ماليّ، وهو استدلال متين وَالْمِسْكِينَ وهو الذي لا شيء له ينفق عليه. أو له شيء لا يقوم بكفايته وَابْنَ السَّبِيلِ أي السائل فيه، والذي انقطع به. وحقهما هو نصيبهما من الصدقة والمواساة ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ أي النظر إليه يوم القيامة. وهو الغاية القصوى. أو يريدون ذاته بمعروفهم لا رياء ولا سمعة، ولا مكافأة يد. كما قال تعالى الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى [الليل: ١٨- ٢٠] ، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أي في الدنيا والآخرة وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً أي مال ترابون فيه لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ أي ليزيد في أموالهم، إذ تأخذون فيه أكثر منه فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ أي لا يزكو ولا ينمو ولا يبارك فيه. بل يمحقه محق ما لا عاقبة له عنده إلا الوبال والنكال. وذكر في تفسيرها معنى آخر، وهو أن يهب الرجل للرجل، أو يهدي له ليعوّضه أكثر مما وهب أو أهدى. فليست تلك الزيادة بحرام. وتسميتها ربا مجاز، لأنها سبب الزيادة.
قال ابن كثير: وهذا الصنيع مباح وإن كان لا ثواب فيه. إلا أنه نهى عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خاصة، قال الضحاك، واستدل بقوله تعالى: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ [المدثر: ٦] ، أي لا تعط العطاء، تريد أكثر منه. وقال ابن عباس: الربا رباءان، فربا لا يصح، يعني ربا البيع، وربا لا بأس به، وهو هدية الرجل، يريد فضلها وإضعافها.
انتهى.
وأقول: في ذلك كله نظر من وجوه:
الأول- أن هذه الآية شبيهة بآية يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ [البقرة:
٢٧٦] ، وهي في ربا البيع الذي كان فاشيا في أهل مكة حتى صار ملكة راسخة فيهم، امتصوا بها ثروة كثير من البؤساء، مما خرج عن طور الرحمة والشفقة والكمال