للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متلطخ، فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار.

الرابع- قال بعض مفسري الزيدية: ثمرة الآية الدلالة على وجوب النصيحة في الدين، لا سيما للأقارب، فإن من كان أقرب، فهو أهمّ. ولهذا قال تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء: ٢١٤] . وقال تعالى: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً [التحريم: ٦] .

وقال صلى الله عليه وسلم «١» : ابدأ بنفسك ثم بمن تعول

. ولهذا بدأ صلى الله عليه وسلم بعليّ وخديجة وزيد، وكانوا معه في الدار، فآمنوا وسبقوا، ثم بسائر قريش، ثم بالعرب، ثم بالموالي. وبدأ إبراهيم بأبيه، ثم بقومه. وتدل هذه الآية على أن النصيحة في الدين والذم والتوبيخ لأجله، ليس من العقوق، كالهجرة- هكذا في التهذيب. انتهى.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنعام (٦) : آية ٧٥]]

وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (٧٥)

وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي: نطلعه على حقائقهما، ونبصره في دلالتهما على شؤونه عز وجل، من حيث إنهما بما فيهما، مربوبان ومملوكان، له تعالى. و (الملكوت) مصدر على زنة المبالغة، كالرّهبوت والجبروت، ومعناه: الملك العظيم، والسلطان القاهر. وقيل: ملكوتهما عجائبهما وبدائعهما.

وقد أسلفنا الكلام في (وكذلك) قريبا عند قوله تعالى: وَكَذلِكَ فَتَنَّا [الأنعام:

٥٣] . وأن مختار الزمخشري كونه إشارة إلى مصدر ما بعده، والكاف مقحمة، والتقدير: تلك الإراءة والتبصير البديع، نريه ونبصره. فجدّد به عهدا.

وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ عطف على علة محذوفة لم تقصد بعينها، إشعارا بأن لتلك الإراءة فوائد جمة، من جملتها ما ذكر.

قال المهايميّ في الآية: وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ليعلم أن شيئا من روحانيات الأفلاك والكواكب والمشايخ والشياطين لا يصلح للإلهية، وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ بالتوحيد بالاستدلال بالأدلة الكثيرة. وقيل: وَلِيَكُونَ علة


(١)
أخرجه مسلم في: الزكاة، حديث ٤١ ونصه: عن جابر قال: أعتق رجل من بني عذرة عبدا له عن دبر. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال «ألك مال غيره» ؟ فقال: لا. فقال «من يشتريه مني» ؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله العدويّ بثمانمائة درهم. فجاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدفعها إليه، ثم قال «ابدأ بنفسك فتصدق عليها. فإن فضل شيء فلأهلك. فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك. فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فكهذا وهكذا» .
يقول: فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>