كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ استبعاد لأن يرشدهم الله للصواب ويوفقهم. فإن الحائد عن الحق، بعد ما وضح له، منهمك في الضلال، بعيد عن الرشاد. وقيل: نفي وإنكار له، كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ. والمعنيّ بهذه الآية إما أهل الكتاب والمراد كفرهم بالرسول صلى الله عليه وسلم حين جاءهم، بعد إيمانهم به قبل مجيئه، إذ رأوه في كتبهم وكانوا يستفتحون به على المشركين. وبعد شهادتهم بحقية رسالته لكونهم عرفوه كما يعرفون أبناءهم، وجاءهم البينات على صدقه التي آمنوا لمثلها ولما دونها بموسى وعيسى عليهما السلام. فظلموا بحقه الثابت ببيناته وتصديقه الكتب السماوية. وإما المعنيّ بالآية من ارتدّ بعد إيمانه. على ما روي في ذلك كما سنذكره. ثم بين تعالى الوعيد على كلّ بقوله:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة آل عمران (٣) : آية ٨٧]]
أُولئِكَ أي الموصوفون بما تقدم جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ أي طرده وغضبه وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ المراد بالناس إما المؤمنين أو العموم، فإن الكافر أيضا يلعن منكر الحق والمرتد عنه، فقد لعن نفسه.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة آل عمران (٣) : آية ٨٨]]
خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٨)
خالِدِينَ فِيها أي في اللعنة أو العقوبة أو النار، وإن لم يجر ذكرهما لدلالة الكلام عليهما. والتخليد في اللعنة على الأول بمعنى أنهم يوم القيامة لا يزال تلعنهم الملائكة والمؤمنون ومن معهم في النار، فلا يخلو شيء من أحوالهم من أن يلعنهم لاعن من هؤلاء، أو بمعنى الخلود في أثر اللعن، لأن اللعن يوجب العقاب، فعبر عن خلود أثر اللعن بخلود اللعن، ونظيره قوله تعالى: مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ