وقال بعضهم: قيل: أريد بالذكر في قوله تعالى: اذْكُرْ نِعْمَتِي الشكر. ففي ذلك دلالة على وجوب شكر النعمة. وإن النعمة على الأم نعمة على الولد. والشكر يكون بالقول والفعل والاعتقاد.
إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ذكروه باسمه ونسبوه إلى أمه لئلا يتوهم أنهم اعتقدوا إلهيته أو ولديته، ليستقل بإنزال المائدة هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ هذه قصة المائدة وإليها تنسب السورة فيقال: سورة المائدة.
وهاهنا قراءتان: الأولى يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ بالياء على أنه فعل وفاعل وأَنْ يُنَزِّلَ المفعول. والثانية- بالتاء ورَبُّكَ نصب أي سؤال ربك. فحذف المضاف.
والمعنى: هل تسأله ذلك من غير صارف يصرفك عنه؟ وهي قراءة عليّ وعائشة وابن عباس ومعاذ رضي الله عنهم. وسعيد بن جبير والكسائيّ. في آخرين.
قال أكثر المفسرين: الاستفهام على القراءة الأولى محمول على المجاز. إذ لا يسوغ لأحد أن يتوهم على الحواريين أنهم شكّوا في قدرة الله تعالى. لكنه كما يقول الرجل لصاحبه: هل تستطيع أن تقوم معي؟ مع علمه بأنه يقدر على القيام، مبالغة في التقاضي. وإنما قصد بقوله (هل تستطيع) هل يسهل عليك، وهل يخف أن تقوم معي؟ فكذلك معنى الآية. لأن الحواريين كانوا مؤمنين عارفين بالله عز وجل، ومعترفين بكمال قدرته. وسؤالهم ليس لإزاحة شك. بل ليحصل لهم مزيد الطمأنينة. كما قال إبراهيم عليه السلام وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة: ٢٦٠] .
ولا شك أن مشاهدة هذه الآية العظيمة تورث مزيد الطمأنينة في القلب. ولهذا السبب قالوا: وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وحاصله أن هَلْ يَسْتَطِيعُ سؤال عن الفعل دون القدرة عليه، تعبيرا عنه بلازمه. أو عن المسبب بسببه. وقيل المعنى: هل يطيع ربك؟ أي هل يستجيب دعوتك إذا دعوته؟ (فيستطيع) بمعنى (يطيع) وهما بمعنى واحد. والسين زائدة. كاستجاب وأجاب واستجب وأجب و (يطيع) بمعنى (يجيب) مجازا، لأن المجيب مطيع.
وذكر أبو شامة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم عاد أبا طالب في مرض. فقال له: يا ابن أخي! ادع ربك أن يعافيني. فقال: اللهمّ! اشف عمي. فقام كأنما نشط من عقال. فقال: يا