وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ جواب لمقترحهم، وبيان لمانعه، وهو البقيا عليهم، كيلا يكونوا كالباحث عن حتفه بظلفه. والمعنى: أن الملك لو أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورته، وهي آية لا شيء أبين منها وأيقن، ثم لم يؤمنوا، لحاق بهم العذاب، وفرغ الأمر. فإن سنة الله قد جرت في الكفار أنهم متى اقترحوا آية. ثم لم يؤمنوا، استؤصلوا بالعذاب، كما قال تعالى: ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ [الحجر: ٨] . وقوله تعالى: يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ [الفرقان: ٢٢] .
ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ أي: لا يمهلون بعد نزوله طرفة عين، فضلا عن أن ينذروا به.
ومعنى (ثم) بعد ما بين الأمرين، قضاء الأمر، وعدم الإنظار جعل عدم الإنظار. أشد من قضاء الأمر، لأن مفاجأة الشدة أشد من نفس الشدة.
[تنبيه:]
ذكر الزمخشريّ وجها ثانيا في تعجيل عذابهم، عند نزول الملائكة، وهو أنه يزول الاختيار الذي هو قاعدة التكليف، فيجب إهلاكهم، وفي (الكشف) الاختيار قاعدة التكليف، وهذه آية ملجئة. قال تعالى: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا [الفتح: ٨٥] . فوجب إهلاكهم، لئلا يبقى وجودهم عاريا عن الحكمة، إذ ما خلقوا إلا للابتلاء بالتكليف، وهو لا يبقى مع الإلجاء. هذا تقريره على مذهبهم، وهو غير صاف عن الإشكال. انتهى. وفيه إشارة إلى أنه ليس على قواعد السنة، وكأنّ وجه إشكاله أنه وقع في القرآن، والواقع ما ينافيه، كما في قوله تعالى: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ ... [البقرة: ٢٥٩] . - كذا في (العناية) - وذكر أيضا وجها ثالثا. وهو أنهم إذا شاهدوا ملكا في صورته، زهقت أرواحهم من هول ما يشاهدون.
قال في (الانتصاف) : ويقوّي هذا الوجه قوله: وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا. قال ابن عباس. ليتمكنوا من رؤيته، ولا يهلكوا من مشاهدة صورته، انتهى.
وهذا الوجه آثره أبو السعود في التقديم حيث قال: أي لو أنزلنا ملكا على هيئته حسبما اقترحوه، والحال أنه من هول المنظر، بحيث لا تطيق بمشاهدته قوى الآحاد البشرية. ألا يرى أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يشاهدون الملائكة ويفاوضونهم على الصورة البشرية؟ كضيف إبراهيم ولوط، وخصم داود عليهم