للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البعث. ولذا تقول لهم الزبانية يوم القيامة: هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ [الطور: ١٤] ، ثم بين عظيم قدرته. وأنه لا يعجزه شيء مّا بقوله سبحانه إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ أي فيوجد على ما شاء تكوينه كقوله تعالى:

وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ [القمر: ٥٠] ، وقوله: ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ [لقمان: ٢٨] .

قال الزمخشري: (قولنا) مبتدأ و (أن نّقول) خبره و (كن فيكون) من (كان) التامة التي بمعنى الحدوث والوجود. أي إذا أردنا وجود شيء فليس إلا أن نقول له:

أحدث، فهو يحدث عقيب ذلك، لا يتوقف. وهذا مثل. لأن مرادا لا يمتنع عليه.

وأن وجوده عند إرادته تعالى غير متوقف، كوجود المأمور به عند أمر الآمر المطاع إذا ورد على المأمور المطيع الممتثل. ولا قول ثمّ. والمعنى: إن إيجاد كل مقدور على الله تعالى بهذه السهولة. فكيف يمتنع عليه البعث الذي هو في شق المقدورات.

انتهى.

قال الشهاب: فسقط ما قيل: إنّ (كن) إن كان خطابا مع المعدوم فهو محال.

وإن كان مع الموجود كان إيجادا للموجود. وفي الآية كلام لطيف مضى في سورة البقرة، فارجع إليه.

ثم أخبر تعالى عن جزائه للمهاجرين الذين فارقوا الدار والأهل والخلّان، رجاء ثوابه وابتغاء مرضاته، بقوله:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النحل (١٦) : آية ٤١]]

وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١)

وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ أي مخلصين لوجهه، أو في حقه، وهم إما مهاجرة الحبشة الذين اشتدّ أذى قومهم لهم بمكة، حتى خرجوا من بين أظهرهم إلى بلاد الحبش بأمره صلى الله عليه وسلم، وذلك مخافة الفتنة وفرارا إليه تعالى بدينهم، وكانوا ثلاثة وثمانين رجلا سوى صغار أبنائهم، وهي أول هجرة في الإسلام. ويؤيده كون السورة مكية.

أو هم مهاجرة المدينة، أخبر به قبل وقوعه أو بعده، إلا أنها ألحقت بالمكية.

وقوله تعالى مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا أي أوذوا وأريد فتنتهم عن الدين لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً يعني بالغلبة على من ظلمهم، وإيراثهم أرضهم وديارهم وَلَأَجْرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>