وقد انتصر لهذا القول جماعة. قالوا: وما ورد من الخلود فيها والتأبيد وعدم الخروج، وأن عذابها مقيم، كله حق مسلّم لا نزاع فيه. وذلك يقتضي الخلود في دار العذاب ما دامت باقية، وإنما يخرج منها في حال بقائها أهل التوحيد، ففرق بين من يخرج من الحبس، وهو حبس على حاله، وبين من يبطل حبسه بخراب الحبس وانتقاضه. وقد بسط البحث في ذلك وجوّده الإمام ابن القيم في كتابه (حادي الأرواح) ، ومع كونه انتصر لهذا القول انتصارا عظيما، وذكر له خمسة وعشرين دليلا، لم يصححه، حيث قال: أما أبدية الجنة، وأنها لا تفنى ولا تبيد، فمما يعلم بالاضطرار، ولم يقل بفنائها أحد. ومن قال به- كالجهمية- فهو ضال مبتدع منحرف عن الصواب، وليس له في ذلك سلف. وأما أبدية النار ففيها قولان معروفان عن السلف والخلف، والأصح عدم فنائها أيضا. انتهى.
وسيأتي إن شاء الله تعالى بسط هذا المقام في آية هود.
وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية أنه قال: لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه. لا ينزلهم جنة ولا نارا.
إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ فلا يعذب إلا على ما تقتضيه الحكمة، عَلِيمٌ أي: بمن يعذب بكفره، فيدوم عذابه. أو بسيئات أعماله، فيعذب على حسبها، ثم ينجو منه.
وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ أي: من الإنس بَعْضاً أي: نجعلهم بحيث يتولونهم بالإغواء والإضلال، كما فعل الشياطين وغواة الإنس، بِما كانُوا يَكْسِبُونَ أي: بسبب ما كانوا مستمرين على كسبه من الكفر والمعاصي.
قال الرازي: لأن الجنسية علة الضم. فالأرواح الخبيثة تنضم إلى ما يشاكلها في الخبث. وكذا القول في الأرواح الطاهرة، فكل أحد يهتم بشأن من يشاكله في النصرة والمعونة والتقوية.
[تنبيه:]
قال السيوطيّ في (الإكليل) : الآية معنى
حديث (كما تكونون يولّى عليكم)
أخرجه ابن قانع في معجم الصحابة من حديث أبي بكرة. انتهى.
وأسند في (الجامع الصغير) تخريجه إلى الديلميّ في (الفردوس) عن أبي