أنفسنا، أو حركنا غيرنا، وذلك لاتحاد الصيغة وصحة المعنى، وإن اختلف التقدير.
قالَ استئناف وقع جوابا عن سؤال ينساق إليه الكلام، كأنه قيل: فمذا قال تعالى في جواب دعاء موسى؟ فقيل قال: عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ أي تعذيبه من العصاة وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ تطلق الرحمة على التعطف والمغفرة والإحسان والجنة، كما قال تعالى: يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ [الإنسان: ٣١] ، ولعلها هي المراد هنا، بدليل مقابلتها ب (العذاب) قبل، كما قابل الآية التي ذكرناها بقوله وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً [الإنسان: ٣١] ، والله أعلم. فَسَأَكْتُبُها أي هذه الرحمة لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أي الكفر والشرك والفواحش وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ أي يعطون زكاة أموالهم وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا أي بكتابنا ورسولنا يُؤْمِنُونَ أي يصدقون.
[تنبيه:]
قال الجشمي: تدل الآية على حسن سؤال نعيم الدنيا، كما يحسن سؤال نعيم الآخرة، وتدل على أن الواجب على الداعي أن يقرن بدعائه التوبة والإخلاص، لذلك قالوا إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ. وتدل على أنه تعالى ينعم على البر والفاجر، ويخص بالثواب المؤمن، فلذلك فصل. ومن تأمل هذا السؤال والجواب، عرف عظيم محل هذا البيان، لأنه عليه السلام، سأل نعيم الدنيا والدين عقيب الرجفة، فكان من الجواب أن العذاب خاصة يصاب به من يستحقه، فأما النعم فما كان من باب الدنيا يسع كل شيء يصح عليه التنعم، وما كان من باب الآخرة يكتب لمن له صفات ذكرها. وتدل على أن الرحمة لا تنال بمجرد الإيمان الذي هو التصديق، حتى ينضم إليه الطاعات، فيبطل قوله المرجئة.