فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢)
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ أي السنّ الذي يقدر فيه على السعي والعلم قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى أي: إني أمرت في المنام بذبحك- ورؤيا الأنبياء وحي كالوحي في اليقظة- فانظر هل تصبر على إمضائي أمر الرؤيا والعمل بظاهرها؟ قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ، أي يأمرك الله به. فإن كان ذاك أمرا من لدنه فأمضه. قال القاضي: ولعله فهم من كلامه أنه رأى أنه يذبحه مأمورا به. أو علم أن رؤيا الأنبياء حق، وأن مثل ذلك لا يقدمون عليه إلا بأمر، ثم قال: ولعل الأمر في المنام دون اليقظة، لتكون مبادرتهما إلى الامتثال، أدل على كمال الانقياد والإخلاص. انتهى.
قال الرازي: الحكمة في مشاورة الابن في هذا الباب، أن يطلع ابنه على هذه الواقعة ليظهر له صبره في طاعة الله، فتكون فيه قرة عين لإبراهيم، حيث يراه قد بلغ في الحلم إلى هذا الحد العظيم. وفي الصبر على أشد المكاره إلى هذه الدرجة العالية. ويحصل للابن الثواب العظيم في الآخرة، والثناء الحسن في الدنيا. وقوله:
سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ أي على الذبح، أو على قضاء الله.
فَلَمَّا أَسْلَما أي استسلما وانقادا لأمره تعالى بدون إبطاء، واستلّ إبراهيم السكين، وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ أي صرعه على شقه، فوقع جبينه على الأرض وهو أحد جانبي الجبهة. و (تله) أصل معناه: رماه على التلّ، وهو التراب المجتمع. ك (تربه) . ثم عم لكل صرع.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الصافات (٣٧) : الآيات ١٠٤ الى ١٠٥]
وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا أي لا تذبحه وقد قمت بمصداقها في بذل الوسع من الأخذ بإمضاء ما تشير إليه وكمال الطاعة في هذا الشاقّ. وأوتيت