للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى جمع كسلان، أي متثاقلين، إذ لا يرجون على فعلها ثوابا، ولا يرهبون من تركها عقابا وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ لأنهم يرون الإنفاق في سبيل الله مغرما، وتركه مغنما،

وفي الحديث «١» عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا، وابتغي به وجهه- رواه النسائي عن أبي أمامة.

وقال تعالى: إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة: ٢٧] .

ولما بيّن تعالى قبائح أفعال المنافقين، وما لهم في الآخرة من العذاب المهين، وعدم قبول نفقاتهم، تأثره ببيان أن ما يظنونه من منافع الدنيا هو في الحقيقة سبب لعذابهم وبلائهم، فينجلي تمام الانجلاء أن النفاق مهواة الخسار، لجلبه آفات الدنيا والآخرة، فقال سبحانه:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة التوبة (٩) : آية ٥٥]]

فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (٥٥)

فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ أي لأن ذلك استدراج لهم، كما قال: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا أي بسبب ما يكابدون لجمعها وحفظها من المتاعب، وما يرون فيها من الشدائد والمصائب. وقوله لِيُعَذِّبَهُمْ قيل: اللام زائدة.

وقيل: المفعول محذوف، وهذه تعليلية، أي يريد إعطاءهم لتعذيبهم وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ أي فيموتوا كافرين، لاهين بالتمتع عن النظر في العاقبة، فيكون ذلك استدراجا لهم. وأصل (الزهوق) الخروج بصعوبة- أفاده القاضي-.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة التوبة (٩) : آية ٥٦]]

وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (٥٦)

وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ يعني المنافقين إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ في الدّين ليدفعوا، بدلالة اليمين، دلائل النفاق وَما هُمْ مِنْكُمْ في ذلك يعني أنهم كاذبون وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ أي يخافون القتل، وما يفعل بالمشركين، فيتظاهرون بالإسلام تقية، ويؤيدونه بالأيمان الفاجرة. ثم أشار إلى سبب الخوف، وهو اضطرارهم إلى مساكنهم مع ضعفهم، بقوله تعالى:


(١) رواه النسائي في: الجهاد، ٢٤- باب من غزا يلتمس الأجر والذكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>