الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ خبر مبتدأ محذوف، أي الذي قصصنا عليك من نبأ عيسى الحق، وقيل: الحق مبتدأ، والظرف خبر، أي الحق المذكور. وقيل: الحق فاعل لمضمر، أي جاءك الحق. وفي (الحق) تأويلان: الأول- قال أبو مسلم: المراد أن هذا الذي أنزلت عليك هو الحق من خبر عيسى عليه السلام لا ما قالت النصارى واليهود. فالنصارى قالوا إن مريم ولدت إلها، واليهود رموا مريم عليها السلام بالإفك ونسبوها إلى يوسف النجار، فالله تعالى بيّن أن هذا الذي أنزل في القرآن هو الحق.
ثم نهى عن الشك فيه.
والقول الثاني- أن المراد أن الحق في بيان هذه المسألة ما ذكرناه من المثل، وهو قصة آدم عليه السلام، فإنه لا بيان أقوى منها. والله أعلم.
فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ خطاب إما للنبيّ صلّى الله عليه وسلم على طريقة التهييج لزيادة الثبات، أو لكل سامع.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة آل عمران (٣) : آية ٦١]]
فَمَنْ حَاجَّكَ أي جادلك من النصارى بإيراد حجة فِيهِ أي في شأن عيسى زعما منهم أنه ليس على الشأن المتلوّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ أي الذي أنزلناه إليك، وقصصناه عليك في أمره. وللفاضل المهايميّ في هذه الآية أسلوب لطيف في التأويل حيث قال الْحَقُّ أي الثابت الذي لا يقبل التأويل جاء مِنْ رَبِّكَ الذي رباك بالاطلاع على الحقائق فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ بما ورد في الإنجيل من إطلاق لفظ الأب على الله فإنه إطلاق مجازيّ لأنه لما حدث منه كان كأبيه. وإذا ظهر لك الحق من ربك بالبيان التام فَمَنْ حَاجَّكَ أي جادلك فِيهِ لإثبات أبنيته بظواهر الإنجيل مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ القطعيّ الموجب لتأويله.
فَقُلْ لم يبق بيننا وبينكم مناظرة، ولكن نرفع عنادكم بطريق المباهلة تَعالَوْا أي أقبلوا أيها المجادلون إلى أمر يعرف فيه علوّ الحق وسفول الباطل نَدْعُ أَبْناءَنا