يأتي ويؤتى ليس ينكر ذا، ولا ... هذا، كذلك إبرة الخيّاط
انتهى.
وقوله تعالى شَهْوَةً مفعول له، أي للاشتهاء، أي لا حامل لكم عليه إلا مجرد الشهوة من غير داع آخر. ولا ذمّ أعظم منه، لأنه وصف لهم بالبهيمية، وأنه لا داعي لهم من جهة العقل البتة كطلب النسل لو نحوه. أو حال، بمعنى مشتهين تابعين للشهوة، غير ملتفتين إلى السماجة. كذا في (الكشاف) مِنْ دُونِ النِّساءِ أي: مجاوزين عن مواتاه النساء اللاتي خلقن لذلك. قال أبو السعود: ويجوز أن يكون المراد من قوله شَهْوَةً الإنكار عليهم، وتقريعهم على اشتهائهم تلك الفعلة الخبيثة المكروهة، كما ينبئ عنه قوله تعالى مِنْ دُونِ النِّساءِ أي متجاوزين النساء اللاتي هنّ محال الاشتهاء كما ينبئ عنه قوله تعالى هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ [هود: ٧٨] . بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ إضراب عن الإنكار إلى الإخبار عنهم بالحال التي توجب ارتكاب القبائح، وتدعو إلى اتباع الشهوات. وهو أنهم قوم عادتهم الإسراف، وتجاوز الحدود في كل شيء. فمن ثمّ أسرفوا في باب قضاء الشهوة، حتى تجاوزوا المعتاد إلى غير المعتاد. ونحوه بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ [الشعراء: ١٦٦] .
وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ أي: المستكبرين في مقابلة نصحة إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ أي: لوطا والمؤمنين معه مِنْ قَرْيَتِكُمْ أي: بلدكم. قال الزمخشري:
يعني ما أجابوه بما يكون جوابا عما كلمهم به لوط عليه السلام من إنكار الفاحشة، وتعظيم أمرها، ووسمهم بسمة الإسراف الذي هو أصل الشر كله. ولكنهم جاءوا بشيء آخر لا يتعلق بكلامه ونصيحته، من الأمر بإخراجه ومن معه من المؤمنين من قريتهم، ضجرا بهم، وبما يسمعونه من وعظهم ونصحهم. وقولهم إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ سخرية بهم، وبتطهرهم من الفواحش، وافتخار بما كانوا فيه من القذارة.
كما يقول الشطار من الفسقة لبعض الصلحاء إذا وعظهم (أبعدوا عنا هذا المتقشف، وأريحونا من هذا المتزهد) .
قال ابن كثير: قال مجاهد: يتطهرون من أدبار الرجال وأدبار النساء. وروي مثله عن ابن عباس.