وناقشه في العناية بأن المرضي حمل الرسول على المتعارف لدلالة الساق والسياق عليه هذا، ونقل النسفي عن التأويلات ما مثاله:
قال بعضهم: في هذه الآية تكذيب المنجمة، وليس كذلك، فإن فيهم من يصدق خبره، وكذلك المتطببة فإنهم يعرفون طبائع النبات، وهذا لا يعرف بالتأمل، فعلم بأنهم وقفوا على علمه من جهة رسول انقطع أثره، وبقي علمه في الخلق.
انتهى.
وهذا الجواب يلجأ إليه المتفقهة زعما بأن معرفة مواقيت الكسوف، وخواص المفردات مما يشمله علم الغيب. والصواب عدم شموله لمثله، لأنه مما يتيسر للناس أن يعرفوه بالنظر والاستدلال والتجربة والبحث، كالعلوم الرياضية والطبيعية والزراعية والصنائع والهيئة الفلكية. وبالجملة فكل ما يمكن للإنسان أن يصل إليه بنفسه لا يكون من الغيب في شيء. ولذا قال بعض الحكماء: لو كان من وظيفة النبيّ أن يبين العلوم الطبيعية والفلكية، لكان يجب أن تعطل مواهب الحس والعقل، وينزع الاستقلال من الإنسان، ويلزم بأن يتلقى كل فرد من كل شيء بالتسليم، ولوجب أن يكون عدد الرسل في كل أمة كافيا لتعليم أفرادها في كل زمن ما يحتاجون إليه من أمور معاشهم ومعادهم. وإن شئت فقل: لوجب أن لا يكون الإنسان هذا النوع الذي نعرفه. نعم، إن الأنبياء ينبهون الناس بالإجمال إلى استعمال حواسهم وعقولهم في كل ما يزيد منافعهم ومعارفهم التي ترتقي بها نفوسهم، ولكن مع وصلها بالتنبيه على ما يقوي الإيمان ويزيد في العبرة. وقد أرشدنا صلّى الله عليه وسلم إلى وجوب استقلالنا دونه في مسائل دنيانا في واقعة تأبير النخل إذ
قال «١»
(أنتم أعلم بأمور دنياكم)
انتهى. فاحفظه فإنه من المضنون به على غير أهله. وقوله تعالى: