في معنى النهي. والمراد به النهي الشديد عن تعرض بعض بني إسرائيل لبعض بالقتل والإجلاء. أن لا يقتل بعضكم بعضا ولا يخرجه من منزله ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ أي أظهرتم الالتزام بموجب المحافظة على الميثاق المذكور وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ بلزومه. فهو توكيد للإقرار، كقولك: أقر فلان، شاهدا على نفسه.
ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ خطاب خاص للحاضرين، فيه توبيخ شديد تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ من غير التفات إلى هذا العهد الوثيق تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ أي تتعاونون عليهم بِالْإِثْمِ وهو الفعل الذي يستحق فاعله الذم واللوم وَالْعُدْوانِ وهو التجاوز في الظلم وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أي هؤلاء الذين تعاونتم أو عاونتم عليهم أُسارى بضم الهمزة، وفتح السين، والألف بعدها. وقرأ حمزة (أسرى) بفتح الهمزة، وسكون السين كقتلى، جمع أسير، وأصله المشدود بالأسر، وهو القدّ، وهو ما يقدّ أي يقطع من السير تُفادُوهُمْ بضم التاء وفتح الفاء.
وقرئ تفدوهم بفتح التاء وسكون الفاء، أي تخلصوهم بالمال من الفداء. وهو الفكاك بعوض وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ الجملة حال من الضمير في تُخْرِجُونَ أو من فَرِيقاً أو منهما. وتخصيص بيان الحرمة هاهنا بالإخراج، مع كونه قرينا للقتل عند أخذ الميثاق، لكونه مظنة للمساهلة في أمره، بسبب قلة خطره بالنسبة إلى القتل. ولأن مساق الكلام لذمهم وتوبيخهم على جناياتهم وتناقض أفعالهم معا. وذلك مختص بصورة الإخراج حيث لم ينقل عنهم تدارك القتلى بشيء من دية أو قصاص. وهو السرّ في تخصيص التظاهر به فيما سبق. ثم أنكر عليهم التفرقة بين الأحكام فقال أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ أي: التوراة وهو الموجب للمفاداة وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ وهو المحرّم للقتل والإخراج. ثم اعلم أن ما ذكرناه في قوله تعالى تُفادُوهُمْ وفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ هو ما ذهب إليه جمهور المفسرين