قالَ لَهُ صاحِبُهُ أي الذي عيّره بالفقر، تعييرا له على كفره وَهُوَ يُحاوِرُهُ أي يراجعه كلام التعيير على الكفر، محاورته كلام التعيير على الفقر، في ضمن النكر عليه أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ أي يجعل التراب نباتا ثم جعله غذاء يتولد منه النطفة ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا أي عدّلك وكملك إنسانا ذكرا بالغا مبلغ الرجال. قال أبو السعود: والتعبير عنه تعالى بالموصول، للإشعار بعليّة ما في حيز الصلة، لإنكار الكفر. والتلويح بدليل البعث الذي نطق به قوله تعالى عز من قائل:
يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ [الحج: ٥] الآية، وكما قال تعالى: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ [البقرة: ٢٨] الآية. قال ابن كثير: أي كيف تجحدون ربكم، ودلالته عليكم ظاهرة جلية، كل أحد يعلمها من نفسه. فإنه ما من أحد من المخلوقات إلا ويعلم أنه كان معدوما ثم وجد. وليس وجوده من نفسه ولا مستندا إلى شيء. من المخلوقات، لأنه بمثابته.
فعلم إسناد إيجاده إلى خالقه، وهو الله لا إله إلا هو خالق كل شيء. ولهذا قال صاحبه المؤمن:
لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً أي لكن أنا لا أقول بمقالتك، بل اعترف لله بالوحدانية والربوبية. ولا أشرك به أحدا معه من العلويات والسفليات. وقد قرأ ابن عامر لكِنَّا بإثبات الألف وصلا ووقفا. والباقون بحذفها وصلا، وبإثباتها وقفا. فالوقف وفاق. وأصله لكن أنا. وقرئ كذلك فحذفت الهمزة ثم أدغمت النون في مثلها فصار (لكن) ثم ألحق الألف إجراء للوصل مجرى الوقف. لأن الوقف على (أنا) بالألف، ولأن الألف تدل على أن الأصل (لكن أنا) وبغيرها يلزم الألباس بينه وبين (لكن) المشددة. قال الزمخشريّ: ونحوه قول القائل:
وترمينني بالطرف أي أنت مذنب ... وتقلينني لكنّ إيّاك لا أقلي