بالإيمان، وهو في الأصل جعل العامل على عمله. وفي قوله عِنْدَ رَبِّهِمْ مزيد لطف بهم وإيذان بأن أجرهم متيقن الثبوت، مأمون من الفوات. وقوله تعالى: وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ أي حين يخاف الكفار العقاب ويحزنون على تفويت الثواب.
(تنبيه) قال العلامة البقاعيّ في تفسيره: وحسَّن وضع هذه الآية، في أثناء قصصهم، أنهم كانوا مأمورين بقتل كل ذكر ممن عداهم. وربما أمروا بقتل النساء أيضا. فربما ظن من ذلك أن من آمن من غيرهم لا يقبل. وقد ذكر منه في سورة المائدة، وفي وضعها أيضا في أثناء قصصهم، إشارة إلى تكذيبهم في قولهم لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ [آل عمران: ٧٥] وأن المدار في عصمة الدم والمال إنما هو الإيمان والاستقامة. وذلك موجود في نصّ التوراة في غير موضع. وفيها تهديدهم على المخالفة في ذلك بالذل والمسكنة. وسيأتي بعض ذلك عند قوله لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ [البقرة: ٨٣] الآية. بل وفيها ما يقتضي المنع من مال المخالف في الدين، فإنه قال في وسط السفر الثاني: وإذا لقيت ثور عدوّك أو حماره وعليه حمولة فارددها إليه. وإذا رأيت حمار عدوك جاثما تحت حمله فهممت أن لا توازره فوازره وساعده. ثم رجع إلى قصصهم على أحسن وجه فقال:
وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٦٣)
وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ تذكيرا لجناية أخرى لأسلافهم، أي واذكروا وقت أخذنا لميثاقكم بالمحافظة على ما في التوراة، وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ ترهيبا لكم لتقبلوا الميثاق. وذلك أن الطور اقتلع من أصله، ورفع وظلل فوقهم. والطور هو الجبل. وقيل لهم وهو مطلّ فوقهم خُذُوا ما آتَيْناكُمْ من الكتاب بِقُوَّةٍ أي بجد واجتهاد، وَاذْكُرُوا ما فِيهِ واحفظوا ما في الكتاب وادرسوه ولا تنسوه ولا تغفلوا عنه لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ لكي تتقوا المعاصي، أو رجاء منكم أن تنتظموا في سلك المتقين، أو طلبا لذلك. وهذه الآية نظير قوله تعالى في سورة الأعراف: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأعراف: ١٧١] .
قال الراغب: إن قيل إن هذا يكون إلجاء ولا يستحق به الثواب، قيل: لم