وانتهت الأعذار. والرسول قد خرج عن عهدة التبليغ إذ أدّاه بما لا مزيد عليه. فما بقي بعد ذلك إلّا العقاب. وفيه تهديد عظيم ووعيد شديد في حقّ من خالف وأعرض عن حكم الله وبيانه.
الرابع: قال الرازيّ: اعلم أن من أنصف وترك الاعتساف، علم أنّ هذه الآية نصّ صريح في أن كل مسكر حرام. وذلك لأنه تعالى رتب النهي عن شرب الخمر على كونها مشتملة على تلك المفاسد الدينية والدنيوية، ومن المعلوم في بدائه العقول أن تلك المفاسد إنما تولّدت من كونها مؤثرة في السكر. وهذا يفيد القطع بأن علة قوله فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ هي كون الخمر مؤثرا في الإسكار، وإذا ثبت هذا وجب القطع بأن كلّ مسكر حرام. قال: ومن أحاط عقله بهذا التقرير، وبقي مصرّا على قوله، فليس لعناده علاج. انتهى.
ثم بيّن تعالى رفع الإثم عمّن مات وهو يشرب الخمر قبل التحريم- كما سنفصّله- بقوله سبحانه:
لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ أي إثم فِيما طَعِمُوا مما حرّم بعد تناولهم إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.
وهنا مسائل الأولى: قال بعض المفسرين: إن قيل: لم خصّ المؤمنين بنفي الجناح في الطيبات إذا ما اتقوا، والكافر كذلك؟ قال الحاكم: لأنه لا يصحّ نفي الجناح عن الكافر، وأما المؤمن فيصحّ أن يطلق عليه، ولأن الكافر سدّ على نفسه طريق معرفة الحلال والحرام. انتهى.
وفي (العناية) : تعليق نفي الجناح بهذه الأحوال ليس على سبيل اشتراطها، فإن عدم الجناح في تناول المباح الذي لم يحرم لا يشترط بشرط. بل على سبيل المدح والثناء والدلالة على أنهم بهذه الصفة.
قال الزمخشريّ: ومثاله أن يقال لك: هل على زيد فيما فعل جناح؟ فتقول