صفير الريح تدخل من فيه وتخرج من دبره. لا أنه خار بطبعه قط. وحتى لو صح أنه خار بطبعه، لكان ذلك من أجل القوة التي كانت في القبضة التي قبضها السامريّ من أثر جبريل عليه السلام. والذي يعتمد عليه فهو قول ابن عباس رضي الله عنه الذي ذكرناه. وبالله تعالى التوفيق.
وأما قوله: كيف كان الفرض قبل ورود النص ببطلان صلبه؟ الإقرار بصلبه أم الإنكار له؟ فهذه قسمة فاسدة شغبية. قد حذر منها الأوائل كثيرا. ونبه عليها أهل المعرفة بحدود الكلام. وذلك أنهم أوجبوا فرضا ثم قسموه على قسمين: إما فرض بإنكار، وإما فرض بإقرار. وأضربوا عن القسم الصحيح فلم يذكروه. وهذا لا يرضى به لنفسه إلا جاهل أو سخيف مغابط غابن لنفسه، غاش لمن اغترّ به. وإنما الحقيقة هاهنا أن يقول. هل يلزم الناس، قبل ورود القرآن، فرض بالإقرار بصلب المسيح، أو بإنكار صلبه، أولم يلزمهم فرض بشيء من ذلك؟ فهذه هي القسمة الصحيحة والسؤال الصحيح. وحق الجواب أنه لم يلزم الناس قط، قبل ورود القرآن، فرض بشيء من ذلك. لا بإقرار ولا بإنكار. وإنما كان خبرا لا يقطع العذر ولا يوجب العلم الضروريّ. ممكن صدق قائله. فقد قتل أنبياء كثيرة وممكن أن يكون ناقله كذب في ذلك. وهو بمنزلة شيء مغيب في دار. فيقال لهذا المعرّض بهذا السؤال الفاسد:
ما الفرض على الناس فيما في هذه الدار؟ الإقرار بأن فيها رجلا أم الإنكار لذلك؟ فهذا كله لا يلزم منه شيء. ولم ينزل الله عز وجل كتابا قبل القرآن بفرض إقرار بصلب المسيح صلى الله عليه وسلم ولا بإنكاره. وإنما ألزم الفرض بعد نزول القرآن بتكذيب الخبر بصلبه.
فإن قالوا: قد نقل الحواريون صلبه وهم أنبياء وعدول. قيل لهم وبالله التوفيق:
الناقلون لنبوتهم وأعلامهم ولقولهم بصلبه عليه السلام، هم الناقلون عنهم الكذب في نسبه والقول بالتثليث الذي من قال به فهو كاذب على الله تعالى، مفتر عليه، كافر به. فإن كان الناقل لذلك عنهم صادقا أو كانوا كافة، فما كان يوحنا ومتى وبولس إلا كفارا كاذبين. وما كانوا قط من صالحي الحواريين. وإن كان ناقل ما ذكرنا عنهم كاذبا، فالكاذب لا يقوم بنقله حجة. فبطل التمويه المتقدم. والحمد لله رب العالمين.
[فصل]
أخذ بعض نصارى هذا العصر يتذبذب في الاعتقاد. فطفق يرد على المسيحيين قولهم بتثليث الآلهة. وأنه مضاد لصريح نصوص الوحي. أخذ يسلم بحقية القرآن