وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا أي عذابنا النازل بهم إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ أي يهربون مسرعين. ثم قيل لهم استهزاء بلسان الحال أو المقال لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ أي من التنعم والتلذذ و (في) ظرفية أو سببية وَمَساكِنِكُمْ أي التي كثر فيها إسرافكم لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ أي تقصدون للسؤال والتشاور والتدبير في المهمات والنوازل.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ١٤ الى ١٦]
قالُوا أي لما أيقنوا بنزول العذاب يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ أي تلك الكلمة وهي (يا ويلنا) دعوتهم فلا تختص بوقت الدهشة، بل تدوم عليهم ما أمكنهم النطق حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً أي كنبات محصود خامِدِينَ أي هالكين بإخماد نار أرواحهم وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ أي بل للإنعام عليهم. وما أنعمنا عليهم بذلك إلا ليقوموا بشكرها وينصرفوا إلى ما خلقوا له. قال الزمخشريّ عليه الرحمة: أي وما سوينا هذا السقف المرفوع وهذا المهاد الموضوع وما بينهما من أصناف الخلائق، مشحونة بضروب البدائع والعجائب، كما تسوي الجبابرة سقوفهم وفرشهم وسائر زخارفهم، للهو واللّعب.
وإنما سويناها للفوائد الدينية، والحكم الربانية، لتكون مطارح افتكار واعتبار واستدلال ونظر لعبادنا، مع ما يتعلق لهم بها من المنافع التي لا تعد والمرافق التي لا تحصى. وقال أبو السعود: في هذه الآية إشارة إجمالية إلى أن تكوين العالم وإبداع بني آدم، مؤسس على قواعد الحكم البالغة، المستتبعة للغايات الجليلة. وتنبيه على