وقوله بعدها: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً ... [آل عمران: ٩٠] ، وذكرنا، ثمة، أن هذه الآية كتلك الآية. وأن ظاهرهما يشهد لما ذهب إليه إسحاق وأحمد. وأما الوجوه المسوقة هنا فهي من تأويل أكثر العلماء القائلين بقبول توبة المرتد، وإن تكررت. وبعد. فالمقام دقيق. والله أعلم.
الثانية- دلت على أن الكفر يقبل الزيادة والنقصان. فوجب أن يكون الإيمان نصّا كذلك. لأنهما ضدان متنافيان. فإذا قبل أحدهما التفاوت، قبله الآخر. وقوله تعالى:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٣٨]]
بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ من باب التهكم بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً فإنهم آمنوا بالظاهر وكفروا بالباطن. ويدل على مقارنة إيمانهم للكفر ترجيحهم جانب الكفرة في المحبة إذ هم:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٣٩]]
الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أي: يتخذونهم أنصارا مجاوزين موالاة المؤمنين أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ أي: أيطلبون بموالاتهم القوة والغلبة. وهذا إنكار لرأيهم وإبطال له. وبيان لخيبة رجائهم. ولذا علله بقوله: فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً أي: له الغلبة والقوة. فلا نصرة لهم من الكفار. والنصرة والظفر كله من الله تعالى. وهذا كما قال تعالى في آية أخرى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: ٨] .
قال ابن كثير: والمقصود، من هذا، التهييج على طلب العزة من جناب الله، والإقبال على عبوديته، والانتظام في جملة عباده المؤمنين، الذين لهم النصرة في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد. ويناسب هنا أن نذكر
الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن أبي ريحانة. أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: من انتسب إلى تسعة آباء كفار، يريد بهم عزا وكرما، فهو عاشرهم في النار. تفرد به أحمد «١» .