وقوله تعالى: وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ الضمير في (فيها) للأرض. وتكرير الفعل لاختلاف المجعولين، ولتوفية مقام الامتنان حقه. أو للرواسي لأنها المحتاجة إلى الطرق. وعلى الثاني اقتصر ابن كثير. قال: فقد يشاهد جبل هائل بين بلدين، وإذا فيه فجوة يسلك الناس فيها، رحمة منه تعالى وَسُبُلًا بدل من فِجاجاً أشير به إلى أنه مع السعة نافذ مسلوك، وأنه خلق ووسع لأجل السابلة، ومعنى يَهْتَدُونَ أي إلى مصالحهم. وقوله تعالى:
وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً أي على الأرض كالقبة عليها مَحْفُوظاً أي عاليا محروسا أن ينال أو محفوظا من التغير بالمؤثرات، مهما تطاول الزمان. كقوله تعالى:
وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً [النبأ: ١٢] ، وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ. أي عما وضع الله فيها من الأدلة والعبر، بالشمس والقمر وسائر النيرات، ومسايرها وطلوعها وغروبها، على الحساب القويم. والترتيب العجيب، الدال على الحكمة البالغة والقدرة الباهرة. وأي جهل أعظم من جهل من أعرض عنها ولم يذهب به وهمه إلى تدبرها والاعتبار بها والاستدلال على عظمة شأن من أوجدها عن عدم، ودبرها ونصبها هذه النصبة، وأودعها ما أودعها مما لا يعرف كنهه إلا هو، عزّت قدرته ولطف علمه؟؟.
وقرئ (عن آيتها) على التوحيد، اكتفاء بالواحدة في الدلالة على الجنس، أي هم متفطنون لما يرد عليهم من السماء من المنافع الدنيوية كالاستضاءة بقمريها والاهتداء بكواكبها، وحياة الأرض والحيوان بأمطارها. وهم عن كونها آية بينة على الخالق، معرضون. أفاده الزمخشريّ.
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ أي ليسكنوا فيه وَالنَّهارَ ليتحركوا لمعاشهم وينشطوا لأعمالهم وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ أي ضياء وحسبانا كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ أي كل واحد منهما يجري في الفلك، كالسابح في الماء. و (الفلك) في اللغة كل شيء دائر.