قوله تعالى: حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ [البقرة: ٢٣٣] ، ولئن سلم أنهما أمدها، فيكون في الآية الاكتفاء بالعقود، وحذف الكسور، جريا على عرفهم في ذلك، كما ذكروه في حديث أنس في وفاته صلّى الله عليه وسلّم على رأس ستين سنة، مع أن الصحيح أنه توفي عن ثلاث وستين، كما بين في شرح الشمائل. قالوا: إن الراوي للأولى اقتصر فيها على العقود وترك الكسور، وسرّ ذلك هو القصد إلى ذكر المهم، وما يكتفي به فيما سيق له الكلام، لا ضبط الحساب، وتدقيق الأعداد.
قال ابن كثير: وقد استدل عليّ رضي الله عنه بهذه الآية مع التي في لقمان وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ [لقمان: ١٤] ، وقوله تبارك وتعالى: وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ [البقرة: ٢٣٣] ، على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، وهو استنباط قويّ صحيح، ووافقه عليه عثمان وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم.
حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ أي: استحكم قوته وعقله وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أي: ألهمني أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ أي: بالهداية للتوحيد، والعمل بطاعتك، وغير ذلك. وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي أي: واجعل الصلاح ساريا في ذريتي، راسخا فيهم إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ أي: من ذنوبي التي سلفت مني وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ أي: المستسلمين لأمرك ونهيك، المنقادين لحكمك.
أُولئِكَ أي الموصوفون بالتوبة والاستقامة الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا أي: من الصالحات فنجازيهم عليها وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ أي: فلا نعاقبهم عليها لتوبتهم فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ أي: معدودين في زمرتهم ثوابا ومقاما.
قال الشهاب: والظاهر أنه من قبيل وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ [يوسف: ٢٠] ليدل على المبالغة بعلوّ منزلتهم فيها، إذ قولك (فلان من العلماء) أبلغ من قولك (عالم) . ولم يبيّنوه هاهنا، ومن لم يتنبه لهذا قال (في) بمعنى (مع) . انتهى.
وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ أي: وعدهم تعالى هذا الوعد، وعد الحق