قُلِ أي للمشركين، إظهارا لبطلان ما هم عليه وتبكيتا لهم ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أي زعمتموهم آلهة مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ أي من خير وشر ونفع وضر فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ أي شركة، لا خلقا ولا ملكا ولا تصرفا وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ أي معين يعينه على تدبير خلقه، قال الزمخشري: يريد أنهم على هذه الصفة من العجز والبعد عن أحوال الربوبية. فكيف يصح أن يدعوا كما يدعى، ويرجوا كما يرجى؟
وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ أي من المستأهلين لمقام الشفاعة.
كالنبيين والملائكة. وهذا تكذيب لقولهم: هؤلاء شفعاؤنا عند الله حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ أي كشف الفزغ عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم، بكلمة يتكلم بها رب العزة، في إطلاق الإذن، تباشروا بذلك قالُوا أي سائلا بعضهم بعضا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ أي قال القول الحق، وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ أي ذو العلوّ والكبرياء. ليس لملك ولا نبيّ أن يتكلم إلا بإذنه، وأن يشفع إلا لمن ارتضى.
قال ابن كثير: هذا أيضا مقام رفيع في العظمة. وهو أنه تعالى إذا تكلم بالوحي. فسمع أهل السموات كلامه، أرعدوا من الهيبة، حتى يلحقهم مثل الغشي.
قاله ابن مسعود رضي الله عنه ومسروق وغيرهما.
قال الزمخشري: فإن قلت: بم اتصل قوله تعالى: حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ ولأي شيء وقعت (حتى) غاية؟ قلت: بما فهم من هذا الكلام، من أن ثم انتظارا للإذن وتوقعا وتمهلا وفزعا من الراجين للشفاعة والشفعاء، هل يؤذن لهم أو لا يؤذن وأنه لا يطلق الإذن إلا بعد مليّ من الزمان وطول من التربص. ومثل هذه الحال دل عليه قوله عزّ وجلّ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً [النبأ: ٣٧- ٣٨] . أي: وإذا كانت الشفاعة لمن أذن له بهذا الحال، عظمة وسموّا من ذي الجلال، فإنّى ينالها جماد لا يعقل، لا سيما وهو عدوّ للكبير المتعال، فتبين