حسبما رآه لا أنّ ذلك كان سبب نزولها. كما بيّنا مرارا معنى قولهم: نزلت الآية في كذا.
وقد أشار، لهذا الراغب- بعد حكايته هذه الرواية وما قاله أبو مسلم- بقوله:
وكلّ ذلك لا يدفع أن تتناوله الآية. لكنّ الأليق أن تؤول الآية بما تقدم ذكره من أنّ معنى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها أي: تحروا في كلّ عمل إتيان الشيء من وجهه، تنبيها على أن ما يطلب من غير وجهه صعب تناوله. ثمّ قال: وَاتَّقُوا اللَّهَ حثّا لنا أن نجعل تقوى الله شعارنا في كلّ ما نتحراه. وبيّن أنّ ذلك ذريعة إلى تحصيل الفلاح.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (٢) : آية ١٩٠]]
وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠)
وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ المقاتلة في سبيل الله هو الجهاد لإعلاء كلمة الله وإعزاز الدين. وفي قوله: الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ تهييج وإغراء بالأعداء الذين همتهم قتال الإسلام وأهله. أي: كما يقاتلونكم فاقتلوهم أنتم. كما قال:
وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً [التوبة: ٣٦] ، وَلا تَعْتَدُوا أي:
بابتداء القتال. أو بقتال من نهيتم عن قتاله، من النساء، والشيوخ، والصبيان، وأصحاب الصوامع، والذين بينكم وبينهم عهد. أو بالمثلة، أو بالمفاجأة من غير دعوة. إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ أي: المتجاوزين حكمه في هذا وغيره.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (٢) : آية ١٩١]]
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (١٩١)
وَاقْتُلُوهُمْ أي: الذين يقاتلونكم حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ أي: وجدتموهم.
وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ أي: من مكة. فإنّ قريشا أخرجوا المسلمين منها.
والمسلمون أخرجوا المشركين يوم الفتح. وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ أي: المحنة والبلاء الذي ينزل بالإنسان، يتعذب به، أشدّ عليه من القتل. أي: إنّ فتنتهم إيّاكم