يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أي عن قيامها وحينها أَيَّانَ مُرْساها أي متى إرساؤها أو وقت إرسائها، أي إثباتها وإقرارها. والرسوّ يستعمل في الأجسام الثقيلة، وإطلاقه على المعاني، تشبيها لها بالأجسام قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ أي لا يظهرها في وقتها إلا هو ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي عظمت وكبرت على أهلها لهولها وما فيها من المحاسبة والمجازاة. أو ثقل علم وقتها على أهلهما. أو عظم وصفها على أهل السموات والأرض، من انتشار النجوم، وتكوير الشمس، وتسيير الجبال لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً أي فجأة على حين غفلة منكم يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها أي عالم بها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ أي أن علمها عند الله، لم يؤته أحدا من خلقه.
[لطيفة:]
قال الزمخشري: فإن قلت. لم كرر يَسْئَلُونَكَ وإِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ؟
قلت: للتأكيد، وما جاء به من زيادة قوله: كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها وعلى هذا تكرير العلماء الحذاق في كتبهم، لا يخلون المكرر من فائدة زائدة. انتهى.
وقال الناصر في (الانتصاف) : وفي هذا النوع من التكرير نكتة لا تلفى إلا في الكتاب العزيز، وهو أجلّ من أن يشارك فيها. وذاك أن المعهود في أمثال هذا التكرير، أن الكلام إذا بني على مقصد، واعترض في أثنائه عارض، فأريد الرجوع لتتميم المقصد الأول، وقد بعد عهده، طرّي بذكر المقصد الأول، لتتصل نهايته ببدايته. وقد تقدم لذلك في الكتاب العزيز أمثال، وسيأتي، وهذا منها. فإنه لما ابتدأ الكلام بقوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها ثم اعترض ذكر الجواب المضمن في قوله: قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي إلى قوله بَغْتَةً أريد تتميم سؤالهم عنها بوجه من الإنكار عليهم، وهو المضمن في قوله: كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها وهو شديد التعلق بالسؤال، وقد بعد عهده، فطرّي ذكره تطرية عامة، ولا نراه أبدا يطري إلا بنوع من الإجمال، كالتذكرة للأول، مستغنى عن تفصيله بما تقدم. فمن ثم قيل: يَسْئَلُونَكَ