مشهور عن البخل والجود. ومنه قوله تعالى: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ [الإسراء: ٢٩] ، قالوا: والسبب فيه أن اليد آلة لأكثر الأعمال.
لا سيما لدفع المال ولإنفاقه. فأطلقوا اسم السبب على المسبب. وأسندوا الجود والبخل إلى اليد والبنان والكف والأنامل. فقيل للجواد: فياض الكف. مبسوط اليد، وسبط البنان نزه الأنامل. ويقال للبخيل: كزّ الأصابع، مقبوض الكف، جعد الأنامل.
وقوله تعالى: غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ دعاء عليهم بالبخل أو بالفقر والمسكنة، أو بغلّ الأيدي حقيقة. يغلّون أي: تشدّ أيديهم إلى أعناقهم أسارى في الدنيا ومسحوبين إلى النار في الآخرة وَلُعِنُوا أي: أبعدوا عن الرحمة فلا يوفقون للتوبة بِما قالُوا من الكلمة الشنيعة التي لا تصح في حق الله حقيقة ولا مجازا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ أي: بأنواع العطايا المختلفة. وثنّى (اليد) مبالغة في الرّد ونفي البخل عنه تعالى، وإثباتا لغاية الجود، فإن غاية ما يبذله السخيّ من ماله أن يعطيه بيديه يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ تأكيد لما قبله، منبه على أن إنفاقه تابع لمشيئته، المبنية على الحكم، التي عليها يدور أمر المعاش والمعاد.
[وهاهنا مباحث]
الأول: ما زعمه الزمخشريّ ومن تابعه- من أنّ إثبات اليد لا يصحّ حقيقة له تعالى- فإنه نزعة كلامية اعتزالية.
قال الإمام ابن عبد البرّ في (شرح الموطأ) : أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز. إلّا أنهم لا يكيّفون شيئا من ذلك ولا يحدّون فيه صفة محصورة. وأما أهل البدع، الجهمية والمعتزلة كلها، والخوارج، فكلهم ينكروها ولا يحمل شيئا منها على الحقيقة. ويزعم أن من أقرّ بها شبّه. وهم عند من أقرّ بها نافون للمعبود. والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنة رسوله. وهم أئمة الجماعة.
وقال القاضي أبو يعلى في كتاب (إبطال التأويل) : لا يجوز ردّ هذه الأخبار ولا التشاغل بتأويلها. والواجب حملها على ظاهرها، وأنها صفات الله، لا تشبّه بسائر الموصوفين بها من الخلق، ولا يعتقد التشبيه فيها ثم قال: ويدل على إبطال التأويل، أن الصحابة ومن بعدهم من التابعين، حملوها على ظاهرها ولم يتعرضوا لتأويلها ولا صرفها عن ظاهرها، ولو كان التأويل سائغا لكانوا إليه أسبق. لما فيه من إزالة التشبيه ورفع الشبهة.