فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ أمر من (الصدع) بمعنى الإظهار والجهر، من (انصداع الفجر) . أو من (صدع الزجاجة) ونحوها وهو تفريق أجزائها. أي: افرق بين الحق والباطل وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ أي الذين يرومون صدك عن التبليغ، فلا تبال بهم إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ أي حفظناك من شرّهم، فلا ينالك منهم ما يحذر. وهذا ضمان منه تعالى، له صلوات الله عليه، لينهض بالصدع نهضة من لا يهاب ولا يخشى. كما قال تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ، وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة: ٦٧] .
الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وصفهم بذلك، تسلية له عليه الصلاة والسلام. وتهوينا للخطب عليه، بأنهم أصحاب تلك الجريمة العظمى، التي هي أكبر الكبائر، التي سيخذلون بسببها. كما قال: فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ أي عاقبة أمرهم. وقد جوّز في الموصول أن يكون صفة (للمستهزئين) ومنصوبا بإضمار فعل. ومرفوعا بتقدير (هم) . وفي الآية وعيد شديد لمن جعل معه تعالى معبودا آخر. وقد أشار كثير من المفسرين إلى أن قوله تعالى: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ عنى به ما عجله من إهلاكهم. كما روى ابن إسحاق عن عروة: أن عظماء المستهزئين كانوا خمسة نفر.
وكانوا ذوي أسنان وشرف في قومهم: من بني أسد أبو زمعة، كان النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا عليه لما كان يبلغه من أذاه واستهزائه.
فقال: اللهم! أعم بصره وأثكله ولده
. ومن بني زهرة الأسود. ومن بني مخزوم الوليد بن المغيرة. ومن بني سهم العاص بن وائل.
ومن خزاعة الحارث. فلما تمادوا في الشر وأكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الاستهزاء، أنزل الله تعالى: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ إلى قوله: فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ،
قال ابن إسحاق عن عروة، إن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت. فقام وقام رسول الله إلى جنبه. فمر به الأسود فأشار إلى بطنه فاستسقى بطنه فمات منه. ومر به الوليد فأشار إلى أثر جراح بأسفل كعب رجله. كان أصابه قبل ذلك بسنتين. فانتقض به فقتله.
ومرّ به العاص بن وائل فأشار إلى أخمص قدمه، فخرج على حمار يريد الطائف.
فربض على شبرقة فدخلت في أخمص قدمه ومرّ به الحارث فأشار إلى رأسه فامتخط قيحا فقتله