للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا رسول الله أمن الحسنات لا إله إلا الله؟ قال (هي أفضل الحسنات)

أي:

فالحسنات مثل الصلاة والذكر والصدقة والاستغفار، ونحو ذلك من أعمال البرّ.

[لطيفة:]

أشار القاشاني عليه الرحمة إلى سر الصلوات الخمس في أوقاتها بما يجدر الوقوف عليه، فقال:

لما كانت الحواس الخمس شواغل تشغل القلب بما يرد عليه في الهيئات الجسمانية، وتجذبه عن الحضرة الرحمانية، وتحجبه عن النور والحضور، بالإعراض عن جانب القدس، والتوجه إلى معدن الرجس، وتبدله الوحشة بالأنس، والكدورة بالصفاء- فرضت خمس صلوات، يتفرغ فيها العبد للحضور، ويسد أبواب الحواس، لئلا يرد على القلب شاغل يشغله، ويفتح باب القلب إلى الله تعالى بالتوجه والنية، لوصول مدد النور، ويجمع همه عن التفرق ويستأنس بربه عن التوحش، مع اتحاد الوجهة، وحصول الجمعية، فتكون تلك الصلوات خمسة أبواب مفتوحة للقلب، على جناب الرب، يدخل عليه بها النور بإزاء تلك الخمسة المفتوحة إلى جانب الغرور، ودارا للعين الغرور، التي تدخل بها الظلمة ليذهب النور الوارد أثار ظلماتها، ويكسح غبار كدوراتها. وهذا معنى قوله: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ:

وقد ورد في الحديث «١»

(إن الصلاة إلى الصلاة كفارة ما بينهما ما اجتنبت الكبائر)

وأمر بإقامتها طرفي النهار، لينسحب حكمها ببقاء الجمعية، واستيلاء الهيئة النورية، في أوله إلى سائر الأوقات، فعسى أن يكون من الذين هم على صلاتهم دائمون، لدوام ذلك الحضور وبقاء ذلك النور، ويكسح ويزيل في آخرة ما حصل في سائر الأوقات من التفرقة والكدورة. ولما كانت القوى الطبيعية المدبرة لأمر الغذاء، سلطانها في الليل، وهي تجذب النفس إلى تدبير البدن بالنوم عن عالمها الروحاني، وتحجزها عن شأنها الخاص بها، الذي هو مطالعة عالم القدس بشغلها باستعمال آلات الغذاء، لعمارة الجسد، فتسلبها اللطافة، وتكدرها بالغشاوة- احتيج إلى تلطيفها وتصفيتها باليقظة، وتنويرها بالصلاة، فقال: وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ انتهى. وقوله تعالى:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة هود (١١) : آية ١١٥]]

وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١١٥)

وَاصْبِرْ أي على مشاق ما أمرت به من التبليغ، أو على ما يقولون، أو على


(١) أخرجه مسلم في: الطهارة، حديث رقم ١٦. عن أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>